Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 32-44)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الجنة : البستان . حففناهما بنخل : جعلنا النخل يحيط بهما . آتت أُكلها : اثمرت الثمر الجيد . ولم تظلم منه شيئا : لم تنقص منه . وفجّرنا خلالهما نهرا : اجرينا بينهما نهرا فيه الماء العذب . وكان له ثمر : كان له مال . وهو ظالم لنفسه : لكفره وغروره . يحاوره : يجادله . اعز نفرا : اكثر خدما وحشما واعوانا . ان تبيد : ان تفنى . وما أظن الساعة قائمة : لا أومن بيوم القيامة . منقلبا : مرجعا وعاقبة . حسبانا من السماء : مطرا عظيما ، آفة مهلكة . صعيدا زلقا : ارضا ملساء لا شيء فيها . او يصبح ماؤها غورا : يغور نهرها في الارض . واحيط بثمره : هلكت امواله . يقلب كفيه : تصويراً للندامة والحسرة . خاوية : خالية ، خلت من اهلها وزرعها . على عروشها : ساقطة على عرائشها . عقبا : عاقبة . لقد ضرب الله مثلاً في هذه الآيات الكريمة يبيّن فيه أن المال لا ينبغي ان يكون موضع فَخار ، لأنه ظلٌّ زائل ، وانه كثيرا ما يصير الفقير غنياً والغني فقيرا ، وانما الذي يجب ان يكون أساسَ التفاضل هو الإيمانُ بالله والعمل الصالح الذي ينفع الناس . واذكر ايها الرسول مثلاً وقع فيما سلَف بين رجلَين : كافرٍ ومؤمن ، وقد رزقنا الكافر جنّتين فيهما أعنابٌ واصناف كثيرة من الشجر المثمر ، وأحطناهما بالنخل ، وجعلنا بين البستانين زرعا جيدا . وقد اثمرت كل واحدةٍ من الجنتين ثمراً كثيرا ، ولم يَنْقُص منه شيءٌ ، وقد فجرّنا بينهما نهرا يسقيهما . وكان لصاحب الجنتين اموالٌ أخرى مثمرة ، فداخَلَه الغرور والكبرياء بتلك النعم ، فقال لصاحبه المؤمن وهو يجادله : أنا أَكثرُ منك مالاً وأكثر خدماً وحشَما وانصارا . ثم زاد فخرا على صاحبه المؤمن ، فدخل إحدى جنتيه وهو مأخوذ بغروره فقال : ما أظنُّ أن تَفْنى هذه الجنة أبدا ، وما أظنّ ان يوم القيامة آتٍ كما تقول ، ولو فُرض ورجعتُ إلى ربي بالبعث كما تزعم ، ليكوننّ لي هناك أحسنُ من هذا الحظ عند ربي ، لأنه لم يعطِني هذه الخيراتِ في الدنيا الا ليعطيني ما هو أفضل منها فيما بعد . فقال له صاحبه المؤمن واعظاً له وزاجراً عما هو فيه من الكفر : كيف تكفر بربك الذي خَلَقك من ترابٍ ثم من نطفة لا تُرى ، ثم صوّرك رجلاً كاملا . أنا أقول : إن الذي خلَقني وخلَق هذا الكونَ وما فيه هو الله ربي ، وانا أومن به وأعبُده وحده ولا أُشرِك معه أحدا . ثم زاد في وعظه قائلا : هلاّ إذ أعجبتْك جنتُك حين دخلتَها ونظرتَ الى ما فيها من رزق وجمال حمدتَ الله على ما أنعم به عليك وقلت : { مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } هذا ما شاء الله ، فيكون ذلكَ شكراً كفيلاً بدوام النعمة عليك . وبعد ان نصح الكافرَ بالإيمان ، وأبان له عظيم قدرة الله وكبيرَ سلطانه ، قال له : إن تَرَنِي انا أفقرَ منك وأقلّ ولدا ، فإني ارجو من الله ان يرزقني خيراً من جنتك ويرسلَ على جنتك سيولاً عظيمة وصواعقَ تخّربها فتصيرَ أرضاً ملساء لا ينبت فيها شيء ولا يثبت عليها قوم ، وتصبح انتَ وما تملك أثراً بعد عين . وقد اخبر الله تعالى بانه قد حقّق ما قدّره هذا المؤمن فقال : { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ … } أحاطت الجوائحُ بثمار جنته التي كان يقول : { مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } وأهلكتها الصواعقُ والآفات ، وأبادت اصولَها ، فأصبح يقلّب كفيه ندماً وتحسرا على خسارته وضياع ماله حين رآها ساقطةً على عروشها خاليةً من الثمر ، وضاعت منه الدنيا وحُرم الدنيا والآخرة معا ، وعظُمت حسرته وقال : ليتَني لم أشرك بربّي أحدا . { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً } . ولم تكن له عشيرة تنصره من دون الله ، وما كان منتصراً بقوّته . وهنا تبيَّنَ ان الله ينفرد بالوَلاية والنصرة والعزة ، ومن اعتزّ بغير الله ذلّ ، فلا قوةَ الا قوّته ، ولا نصر الا نصرهُ ، وثوابُه خير الثواب . ويسدل الستار على مشهد الجنة الخاوية على عروشها ، وصاحبها يقلّب كفّيه أسفاً وندما ، وجلالُ الله يظلل الموقف ، حيث تتوارى قدرةُ الإنسان . قراءات : قرأ حمزة : " الوِلاية لله الحق " بكسر الواو ، وقرأ ابو عمرو : " الوَلاية لله الحق " بفتح الواو ، وبضم القاف . وقرأ الكسائي : " الوِلاية لله الحقُّ " بكسر الواو وضم القاف من الحق . وقرأ عاصم : وكان له ثمر . واحيط بثمره ، بفتح الثاء والميم . وقرأ ابو عمرو : بضم الثاء واسكان الميم ، والباقون : ثمر بضم الثاء والميم .