Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 88-98)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

جئتم : فعلتم . إدّا : منكرا عظيما . يتفطَّرن : يتشققن . تخرُّ : تسقط . دعوا : نسبوا . قوماً لُدّا : قوما شديدي الخصومة . رِكزا : صوتا خفيا . بعد ان فنّد مقولة عبده الأوثان وأثبت أنهم في ضلال يعمهون - أردف ذلك بالردّ على الذين نسبوا الى الله الولد ، وبيّن انها منكَرة يهتزّ لها الكون بأجمعه . { تَكَادُ ٱلسَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً } . وقال المشركون : إن الله اتخذ من الملائكة بناتٍ ، وقال اليهود والنصارى ان الله اتخذ ولداً ، سبحانه وتعالى عن ذلك . لقد جئتم أيها القائلون بمقالِكم هذا أمراً منكَرا ، تنكره العقول المستنيرة . ان السماواتِ تكاد تتشقق من هذا القول لشدّة هوله ، وتُخْسف الأرض ، وتسقط الجبال لمجرّدِ سماعه . قراءات : قرأ نافع والكسائي : يكاد بالياء ، والباقون : تكاد بالتاء . وقرأ ابن كثير ونافع والكسائي وحفص : يتفطرن ، بالتاء . والباقون : ينفطرن ، بالنون . إنها لكلمةٌ شنيعة لو صورت بصورة محسوسة لم تتحملها هذه الأجرام العظام ، ولتفتت وتفرقت اجزاؤها من شدتها . ثم بين علّة ذلك بقوله : { أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } . من أجلِ أنهم نسبوا الى الله اتخاذ الولد ، وما يليق به اتخاذُ الولد ، لان اثبات الولد له يقتضي أن يكونَ حادِثاً ومحتاجا ، وهذا مُحالٌ على الله سبحانه . ان كل ما في السماوات والارض من مخلوقات هم عبيدُ الله ، ينقادون لحكمه ، ويخضعون له . لقد أحاط بهم جميعاً وبأعمالهم ، وعدِّ أشخاصِهم وانفاسهم وافعالهم . { وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً } . وهم جميعا سيأتون إليه يوم القيامة منفردين عن النصراء والولد والمال . وقد تكرر لفظ " الرحمن " في هذه السورة ستَّ عشرة مرة ، لأن المشركين كانوا ينكرون هذه الكلمة وكانوا يقولون ما هو الرحمن ، { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } [ الفرقان : 60 ] . والرحمن وصفٌ يدل على عموم الرحمة ، فهي شاملة لكل موجودٍ . ان الله مع كل ما يأتيه المنكِرون رحمنٌ رحيم سبقت رحمته غضبه . ثم ختم السورة بذكر احوال المؤمنين عموما وما ينتظرهم يوم القيامة ، حيث سيستقبلهم الرحمن بالترحيب والمودة . { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } . ان الذين آمنوا بالله وصدّقوا برسُله ، وعملوا الاعمال الطيبة الصالحة - سيجعل الله لهم محبةً في قلوب الناس ، ويكونون في رحاب الله وتكريمه يوم القيامة . روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " اذا أحبَّ الله عبداً يقول لجبريل : إني احببتُ فلانا فأحِبَّه ، فينادي في السماء ثم تنزل له المحبّة في الارض " ، فذلك قول الله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ … } الآية وللحديث روايات متعددة … وبعد ، فان هذه لَبشرى للمؤمنين ، ومعها إنذار للجاحدين ، وقد يسّر الله فهمَ كتابه على العرب ، فأنزله بلسانهم ولسان رسوله الأمين . { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً } . لقد يسّرنا القرآن بلغتك لتبشّر برضى الله ونعيمه من اتبعَ أوامره واجتنب نواهيَه ، وتنذِرَ بسخط الله وعذابه من كفر واشتد في خصامه . ثم ختم السورة بتلك العظة البالغة فقال : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً } . فلا يحزنك أيها الرسول عنادُهم لك ، فقد أهلك اللهُ قبلهم كثيرا من الأمم والاجيال … ولقد اندثروا ، فلا ترى منهم أحدا ، ولا تسمع لهم صوتا . إنهم بادوا وهلكوا ، وخلتْ منهم دورهم واوحشت منازلُهم . وكذلك هؤلاء ، فهم صائرون الى ما صار اليه أولئك ان لم يتداركوا أنفسَهم بالتوبة .