Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 177-177)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

البر : الصلة ، يقال بَرَّ رحمه اذا وصلها . والخير ، والاتساع في الاحسان ، والطاعة والصدق ، وهو جماع الخير ، والاخلاق الحسنة وما ينشأ عنها من أعمال صالحة يتقرب بها العبد الى ربه ، أما بالنسبة الى الله فهو الثواب والرضا والمحبة الآلهية . المساكين : مفرده مسكين وهو الذي لا يستطيع العمل ، ولا يفطن أحد له لانه لا يسأل الناس . ابن السبيل : هو المسافر إذا انقطع فلا يجد ما يوصله الى بلده . السائلين : الذين ألجأتهم الحاجة الى السؤال ، فاضطروا الى التكفف . في الرقاب : تحرير العبيد واعانتهم على فك رقابهم . البأساء : الشدة . الضراء : كل ما يضر الانسان من مرض أو فقد حبيب من أهل أو مال . حين البأس : وقت الحرب . هذه أجمع الآيات في تحديد معنى البر من النواحي الواقعية . فهي ترشد الى ان البر لا يرتبط بشيء من المظاهر والصور والأشكال ، وانما بالحقائق ولب الأمور وروح التكاليف . كما ترشد الى ان البر أنواع ثلاثة جامعة لكل خير : برٌّ في العقيدة ، وبر في العمل ، وبر في الخُلق . يعلمنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآية ان الخير ليس في الجدل في أمور لا تجدي ، ولا هو متعلق بالتوجه الى المشرق أو المغرب في صلاة مظهرية جوفاء ، كلا ، وانما هو أولاً الإيمان بالله في ربوبيته ووحدانيته ؛ والايمان باليوم الآخر ، حيث تتم المحاسبة على ما جنته الجوارح وما في القلوب والضمائر . بيد ان الايمان بالله واليوم الآخر لا يمكن للعقل البشري ان يصل اليه مستقلاًّ بل لا بد من واسطة تدلنا عليه . وهي من ثلاثة عناصر : الملائكة الذين يتلقون عن الله مباشرة ، والأنبياء الذين يتلقُّون عن الملائكة ، والكتاب الذي يتلقونه ويبلّغون ما فيه من أحكام وتشريعات . وقد عبر الله عنها بالكتاب اشارة الى وحدة الدين عند الله . هذه الأمور الخمسة هي البر في العقيدة : الايمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين . أما البر في العمل فله شُعب كثيرة ترجع كلها مهما تنوعت الى بذل النفس والمال ابتغاء مرضاة الله ، وادخال السرور على خلق الله . والعمل هو مَدَدُ العقيدة وفي نفس الوقت ثمرتها ، يحفظها وينمّيها ، ويدل عليها . وقد ذكرت الآية بذل النفس في أعظم مظهر له ، ذلك هو اقامة الصلاة . فالصلاة هي عماد الدين ، والفارق بين المؤمن وغيره . انها مناجاة العبد لربه ، والناهية عن الفحشاء والمنكر ، والعاصمة من الهلع والجزع . هذه هي الصلاة اذا اقامها المرء على حقيقتها ، فوقف بين يدي ربه وقد خلع نفسه من كل شيء في دنياه ، وسلّم لله أموره ونسي ما عداه . بذلك يكون قد بذل نفسه لله ، ووضعها بين يديه ، فجاءت صلاته عهداً حقيقياً بينه وبين ربه . ثم بين الله تعالى في الآية بذل المال في وصرتين ، أحداهما قوله تعالى : { وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ } , والثانية قوله تعالى : { وَآتَى ٱلزَّكَاةَ } ويجب ان يفهم هنا بمقتضى هذا الوضع القرآني الكريم ان الزكاة المفروضة شيء ، وان ايتاء المال لهؤلاء الأصناف المذكورة شيء آخر لا يندرج في الزكاة ولا تغني عنه الزكاة . وقد قدّم الله تعالى الكلام في بذل المال لسد حاجة المحتاجين ، ودفع ضرورة المضطرين ، والقيام بمصالح المسلمين وحث عليه وأكده لأنه هو البر الحقيقي . اما الزكاة فهي فرض من الفروض الواجبة على المسلم يؤديها طبقا لشروطها . فاذا لم يقم الاغنياء والقادرون ببذل المال على هذا الوجه واكتفوا بدفع الزكاة فقط فإنهم ليسوا على البر الذي أراده الله من عباده . وهذا أصل عظيم في تنظيم الحياة الاجتماعية يباح به لمن يولِّيه المسلمون أمرهم ان يشرّع الوانا من الضرائب اذا لم تفِ الزكاة بحاجة الأفراد والمجتمع . { وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ } اي بذَلَه رغم فطرة حب المال عند الانسان ، وبذلك يبرز معنى الايثار { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [ آل عمران : 92 ] و { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } [ الحشر : 9 ] . وقد قال صلى الله عليه وسلم " أفضل الصدقة ان تصَّدق وأنت صيح شحيح تخشى الفقر وتأمل المغنى " أخرجه البخاري عن أبي هريرة . ذوي القربى : الأقرباء المحتاجين ، وهم أحق الناس بالبر . وقد ورد في الحديث " ان الصدقة على المسكين صدقة . وعلى ذي الرحم اثنتان : صدقة ، وصلة " . واليتامى : وهم الصغار فقدوا آباءهم وليس لهم عائل يرعاهم . وقد عني الاسلام بأمر اليتيم والحث على تربيته والمحافظة على نفسه وماله اذا كان له مال . وقد ظهرت عناية القرآن الكريم بشأن اليتيم منذ ان نزل الى ان انقطع الوحي ، وستمر بنا آيات كثيرة في ذلك . ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " خير بيتٍ في المسلمين بيت فيه يتيم يحسَن اليه ، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء اليه " . والمساكين : هم الذين لا يستطيعون العمل ، ولا يفطن الناس اليهم لأنهم لا يسألون . وابن السبيل : هو المسافر الذي انقطعت به الطريق فلا يوصله الى اهله . والسائلين : الذين الجأتهم الحاجة الى السؤال ، فاضطروا الى التكفف . وفي الرقاب : اي لتحرير الأرقاء . والاسلام أول دين شرّع " العتق " . لقد حث على تحرير العبيد ولم يشرع الرق ، لأن هذا كان موجودا منذ أقدم العصور . لذا جعل من مصارف الزكاة انفاقها في الرقاب ، أي فكاك الاسرى ، وعتق الرقيق . ولقد حث الرسول الكريم في كثير من وصاياه وأحاديثه على الرفق بالرقيق والعمل على تحريرهم . والبر في الخُلق هو المبدأ الثالث في هذه الآية العظيمة : وهو يشمل مبدأ القيام بالواجب ، وقد جاء التعبير عنه بقوله تعالى : { وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ } ، ومبدأ مقاومة الطوارىء والتغلب على عقبات الحياة كما جاء في قوله تعالى : { وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّاءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ } , والعهد لفظٌ شامل يجمع ألوانا من ارتباطات والتزامات لا غنى للناس عنها ، ولا استقامة للحياة بدونها . وهي على كثرتها ترجع الى واحد من ثلاثة : عهد بين العبد وربه ، وعهد بين الانسان وأخيه ، وعهد بين دولة ودولة . اما مبدأ المقاومة فقد عبر عنه تعالى بقوله : { وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّاءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ } ، والصبر كما قدمنا الكلام عنه في شرح { ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ } هو عدة النجاح في الحياة ، والسبيل الوحيد للتغلب على جميع الصعاب . وقد ذكر سبحانه هنا ثلاث حالات هي ابرز ما يظهر في الهلع : البأساء ، والضراء وحين البأس . وقد تقدم تفسيرها . هذه عناصر البر في العقيدة والعمل والخلق ، تحدثت عنها هذه الآية الكريمة ، وختمت حديثها بحصر الصدق والتقوى فيمن اتصف بهذه المبادىء من المؤمنين ، { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } ، فالذين يجمعون هذه العقائد والأعمال الخيرة هم الذين صدقوا في ايمانهم . وهذه الآية دستور شامل عظيم . القراءات : قرأ حمزة وحفص " ليس البر " بالنصب والباقون " ليس البر " بالرفع . وقرأ نافع وابن عامر " ولكن البر " بتخفيف لكن ورفع البر .