Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 275-276)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يأكلون : يأخذون . الربا : الزيادة يتخبّطه : يصرعه ويضربه . المس : الجنون . يمحق : ينقص . يربي . يزيد . ما سلف : ما تقدم . يعتمد الاسلام في بناء المجتمع مبادىء قيمة ، أهمها في الجانب المادي من الحياة مطالبةُ كل فرد من أفراد المجتمع بالعمل الذي يكفل له حاجته . لقد أشعرَ الاغنياء ان حق الانتفاع بهذا المال مشتركٌ بينهم وبين اخوانهم الفقراء . كما أوجب مدَّ يد المعونة الى الفقراء والمساكين والمحتاجين ، إما بالبذل والعطاء أو بتهيئة العمل . كذلك أوجب على ذوي المال ان يدفعوا الى اولياء الأمر ما يمكنّهم من اقامة المصالح التي تحقق الخير للمجتمع . على هذه الأسس التي تقتضيها الأُخوة والتعاون ، وتبادل الشعور بين الافراد ، امتلأ القرِآن بآيات الحث على الانفاق للفقراء والمساكين وفي سبيل الله , وفي هذا الوضع الذي انتهجه الاسلام في بناء المجتمع ، كان من غير المعقول ان يبيح للغني من أهله ان يستقل بمتعة ماله دون ان يمد يده الى المحتاج من اخوانه والمواطنين في دولته . واذا كان من غير المعقول في الاسلام ان يباح للغني ان يقبض يده عن معونة أخيه الفقير ، فمن غير المعقول أشد ان يباح له استغلال أخيه وأخذ ماله بالربا وشد الخناق . لذلك عمد الإسلام إلى الاصلاح بتحريم الربا تحريماً قاطعا . وقد جاء الاسلام في وقتٍ فرغت قلوب الناس فيه من معاني الرحمة والتعاون ، كانوا يأكل قويهم ضعيفهم ، ويستغل غنيهم فقيرهم فأفرغ جهده في القضاء على منابع الشر ، وازالة الحواجز التي قطّعت ما بين الناس من صلات التراحم والتعاون ، وأخذ يبني المجتمع بناءً واحداً متماسك الأطراف . وكان أول ما اتخذه من ذلك ايجاباً الحثُّ على التعاون والتراحم . ثم كان تحذيره الشديد فيما يخص الناحية السلبية ، فحرَّم الربا والرشوة ، بعد ان حرم الشحَّ والضن بحق الفقير والمسكين . وربا الجاهلية الذي كان عليه الناس نوعان الأول : ربا النسيئة ، وهو أن يقرض الرجل أخاه من المال لزمن محدود على ان يدفعه له مع زيادة معينة . وقد نص القرآن على تحريمه ، وجعل التعامل به من الكبائر . والنوع الثاني : ربا الفضل ، وهو ان يبيع الرجل نوعا من السلعة بمثلها مع زيادة احد العوضَين على الآخر ، كأن يبيع قنطارا من القمح بقنطار وربع أو نصف . وهذا ايضا من الربا المنصوص على تحريمه في الحديث الشريف لقوله صلى الله عليه وسلم " ولا تبيعوا الذهب بالذهب ، والورق بالورق ، والبُرَّ بالبر ، والتمر بالتمر ، والشعير بالشعير ، والملح بالملح الا سواء بسواء ، عينا بعين ، يداً بيد " وقد اتفق الفقهاء على تحريمه ، وأباحوا الزيادة اذا اختلف الجنس . وقد حرموا التأجيل في هذه الأصناف ، واختلفوا في قياس غيرها عليها اختلافا كبيرا . وتحريم الربا الذي جاء في القرآن الكريم ، تنظيم اقتصادي عظيم ، وهو يتفق مع ما قرره الفلاسفة في الماضي وما انتهت اليه النظم الاقتصادية الحديثة . فأرسطو يقرر ان الكسب بالفائدة نظام غير طبيعي ، فالنقد لا يلد النقد . والاقتصاديون يقررون أن طرق الكسب أربَع : ثلاثٌ منها منتجة والرابعة غير منتجة . فالثلاث المنتجة : العمل ويتبعه الصناعة ؛ والزراعة ؛ والمخاطرة في التجارة … لأنها في نقل الأشياء من مكان انتاجها الى مكان استهلاكها تتعرض لمخاطر ، وتزيد قيمتها بهذا الانتقال . وذلك في ذاته انتقال . وذلك في ذاته انتاج . أما الرابعة فهي الفائدة أو الربا ، وهذه لا مخاطرة فيها ، لأن القرض لا يتعرض للخسارة ، بل له الكسب دائما ؛ ولأنه لا انتاج الا لِعملِ المقترض ، فالفائدة نتيجةٌ لذلك ، هذا كما ان اباحة الكسب بالفائدة تؤدي الى تحكم رؤوس الأموال في العمل . وهذا غير سليم . وتذكر الآية ان الذين يتعاملون بالربا لا يقومون يوم القيامة من قبورهم كبقية الناس وانما كالمجنون الذي اصابه مسّ من الشيطان فهو يتخبط بفعل الصرع . ولماذا ؟ لأنهم ستحلّوا أكل الربا وقالوا لا فرق بين البيع والربا ، فكما يجوز بيع السلعة التي ثمنها عشرة دراهم نقدا بعشرين درهما بأجل ، يجوز أن يعطي الانسان أحد المحتاجين عشرة دراهم على أن يردها بعد أجلٍ ، والسبب في كل من الزيادتين واحد هو الأجل . تلك حجتهم . وهم واهمون فيما قالوا ، وقياسهم فاسد . فالله أحلّ الأرباح في الشراء البيع وحرّم الربا . ذلك ان البيع ملاحَظ فيه دائما انتفاع المشتري بالسلعة انتفاعاً حقيقياً ، اما الربا فهو اعطاء الدراهم ثم أخذُها بدون مخاطرة ولا تعب ، كما ان الكسب فيها مضمون دائما بخلاف التجارة والعمل . { فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ } . أي : فمن بلغه تحريم الله الربا فتركه فورا ، فله ما كان قد أخذه من الربا فيما تقدم لا يكلَّف بردِّهِ الى من دفعوه ، وانما عليه ألا يأخذ ربا بعد ذلك … ان أمره موكول الى الله يحكم فيه بعدله وعفوه . اما من عاد الى أكل الربا بعد تحريمه فأولئك الذين لم يتعظوا بموعظة من ربهم ، فهم أصحاب النار هم فيها خالدون . ان الله تعالى يُذهب الربا ويهلك المال الذي يدخل فيه ، لكنّه يضاعف ثواب الصدقات ويبارك في المال الذي خرجت منه الصدقة . والله لا يحب كل من تمادى في إنكار ما أنعم الله به عليه من المال ، كأن لا ينفق منه في سبيله ، ولا يواسي المحتاجين من عباده . والأثيم : هو المنهمك في ارتكاب الذنوب والمحرمات ، فهو قد جعل ماله آلة لجذب ما في أيدي الناس الى يده فاستغلّ إعسارهم وأخذ أقواتهم وامتص دماءهم .