Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 63-72)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الغمرة : الجهالة والغفلة . من دون ذلك : من غير ذلك . المترف : صاحب النعمة الكثيرة الذي يستعملها في غير موضعها . يجأرون : يصيحون . تنكصون : تدْبرون وتعرِضون عن سماعها ، وأصل النكوص : الرجوع الى الخلف . سامرا تهجرون : تسمرون بالليل بالكلام القبيح والطعن في القرآن . به جنة : مجنون . الحق : من الالفاظ المشتركة لها عدة معان . فالحق هو الله ، والحق : هو القرآن ، والحق : الدين كله بما فيه القرآن ، والمراد به هنا : الله . أتيناهم بذكرهم : بالقرآن الذين هو فخرهم . فهم عن ذكرهم معرضون : فهم معرضون عن فخرهم . الخرج والخراج : الجعل والأجر . { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } . بعد أن ذكَر الله تعالى سماحةَ هذا الدين ، وأنه لا يكلِّف أحداً الا بما يُطيق ، وان كل عملٍ يعمله الانسانُ مسجّل عليه في كتاب محفوظ ، ثم بين صفات المؤمنين من الإيمان بالله ، والمسارعة الى الخيرات ، وما ينتظرهم من الجزاء يوم القيامة - بيّن هنا أن المشرِكين بسبب عنادِهم وغيِّهم في غفلةٍ عن كل هذا ، ولهم اعمالُ سوءٍ أخرى من فنون الكفر او الطعن في القرآن والرسول الكريم . { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } فإذا حلّ بهم بأسُنا وأوقعنا العذابَ بالأغنياء المترفين يومَ القيامة صاحوا واستغاثوا ، فنقول لهم : لا تصرخوا ولا تستغيثوا ، فلن ينصركم أحدٌ من عذابنا ولن تجِدوا من يُغيثكم في هذا اليوم العظيم . والتعبير بإذا للشيء المحقق ، وإنْ للشك . { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } ان هذا الصراخَ لن يفيدَكم لأنكم فَرَّطتم في الدنيا ، وقد جاءتكم الآياتُ والنذُر على لسانِ رسُلي فلم تستمعوا لها ، وكنتم تُعرِضون عنها ولا تسمعون لها . { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ } كنتم في إعراضِكم وتولّيكم عن آياتي متكبرين ، وتسمرون حول الحَرَم وتتناولون القرآنَ والرسولَ الكريم بهُجْرِ القولِ وقبيح الألفاظِ والطعن في الدين . ثم أَنّبَهم على ما فعلوا ، وبيّن أن إقدامهم عليه لا بدّ ان يكون لأحدِ أسباب أربعة فقال : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ } . 1 - أجهِلَ هؤلاء المعرِضون فلم يتدبروا القرآنَ ليعلموا أنه حق ، وما يحتوي عليه من تشريع وتهذيب للنفوس ، وما فيه من فضائلَ وآدابٍ وأخلاق . 2 - أم كانت دعوةُ محمد صلى الله عليه وسلم غريبةً عن الدعوات التي جاءت بها الرسلُ الكرام الى الأقوام السابقين . 3 - أم لم يعرفوا رسولَهم محمداً عليه الصلاة والسلام الذي نشأ بينهم ، وما كان يتحلّى به من صدقٍ وأمانة ( وكانوا يسمونه : الأمين ) فهم ينكِرون دَعْوته حسداً منهم وعنادا . 4 - ام يقولون : انه مجنون ؟ فلا يدري ما يقول ، وهم أعلم الناس به ! وبعد ان عدّد سبحانه هذه الوجوه ، ونبه الى فسادها ، بين وجه الحقّ في عدم إيمانهم فقال : { بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } . كلا : إنه جاءهم بالدين الحق ، لكن اكثرهم كارهون للحق ، لأنه يخالف شهواتِهم واهواءهم فهم لا يؤمنون به ، وذلك لأنه يسلبُهم زعاماتهم والقيم الباطلةَ التي يعيشون بها ، فالدفاع عن مصالحهم هو الذي يتستّرون فيه . ومثل هؤلاء كثيرون في الوقت الحاضر يتخذون الدين ستاراً لزعاماتهم ومنافعهم . ثم بين الله ان اتّباع الهوى يؤدي الى الفساد الكبير فقال : { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } ولو أن الله تعالى سايَرَ هؤلاءِ فيما يشتهونه ويقترحونه ، لفسَدَ هذا النظامُ العظيم الذي نراه في السماوات والأرض ، واختلّ نظام الكون ، وساد الظلمُ والفساد في الخلائق ، ولكنّ الله ذو حكمةٍ عالية ، وقدرة نافذة . وبعد ان أنّبهم على كراهتهم للحق ، ذكر أنهم أعرضوا عن أعظم خيرٍ جاءهم فقال : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ } . بل جئناهم بالقرآن الذي فيه فخرُهم وشرفُهم ، وهم مع ذلك معرِضون عن هذا الخيرِ العميم ، والشرف العظيم ، وكان قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] . وهذا هو القول الحقّ ، فإن العربَ قبل الإسلام لم تكن أمة متحدة ، ولم يكن لها ذكر في التاريخ حتى جاءها الاسلام ، فأصبحتْ بفضله تُذكر في الشرق والغرب ، وظل ذِكرُها يدوّي في العالم قرونا طويلة . ولما تركت وحدتها ودينها وأعرضت عنه تضاءل ذِكرها وخبا نورها ، ولن يقوم لها ذكر إلا برجوعها الى الاسلام ، والأخذ بالعلم ، ووحدة الصف . { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } إنك أيها الرسول لا تسأهلم أجراً على أداء رسالتك ، ان أجرَ ربك لك خيرٌ مما عندَهم ، وهو خير الرازقين . قراءات : قرأ ابن كثير وابو عمرو نافع وعاصم : " أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير " كما هو في المصحف ، وقرأ حمزة والكسائي : " ام تسأهلم خراجا فخراج ربك " وقرأ ابن عامر " ام تسأهلم خرجا فخرج ربك خير " .