Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 104-105)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الأمة : الجماعة . الخير : ما فيه صلاح الناس في الدين والدنيا وهنا هو الإسلام . المعروف : ما استحسنه الشرع والعقل . بعد أن أرشد الكتاب المؤمنين الى صلاح أنفسهم ، وتزكيتها بالعمل بتقوى الله والتمسك بحبله المتين - بين لهم واجبهم الذي يقوم على القاعدتين اللتين مر ذكرهما : الإيمان بالله ، والأُخوة في الله . وهذا واجب ضروري لإقامة دين الله على الأرض ، وتغليب الحق على الباطل . لذلك وجب على المسلمين ان تكون فيهم جماعة متميِّزة تقوم بالدعوة الى الخير وصلاح البشرية . ويجب ان تكون هذه الطائفة معيّنة من قبل الحاكم وان تتمتع بالسلطة الكافية لإنجاز ذلك ، وان يقوم كل واحدٍ منها باختصاصه حتى لا تحدث الفوضى وتضطرب الأمور . هذا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكليف عسير يتطلب القيامُ به مؤمنين حقا ، متحلّين بالخُلق العظيم والصبر والفهم والمرونة ، لأنهم سوف يصطدمون بأصحاب المصالح وذوي النفوذ والكبرياء والغرور . وعلى هذا فلا بد من اختيار جماعة يكون عملها خالصاً لوجه الله ويؤتي ثمره على أحسن الوجوه ، حتى يصدق على افرادها قوله تعالى { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } . وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه " أفضلُ الجهاد الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن غضِب لله غضب الله له " . قال تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } [ المائدة : 105 ] . " والمراد بالخير هنا الإسلام ، وبالمعروف طاعة الله ، وبالمنكر معصيته ، ومحصل المعنى أنه لا بد من وجود جماعة تدعو غير المسلمين الى الإسلام ، وتدعو المسلمين الى ما يرضي الله ، ويثيب عليه ، وترك ما يغضبه ، ويعاقب عليه . ولفظ ( منكم ) في الآية قرينة على ان وجوب الأمر بالمعروف على سبيل الكفاية ، دون العين ، إذا قام به البعض سقط عن الكل . وليس من الضروري أن يكون القائم بهذه المهمة عادلاً ، بحيث لا يجوز للفاسق أن يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر … كلا ، لأمرين : الأول ان شرط الحكم تماماً كالحكم لا يثبت الا بدليل ، ولا دليل على شرط العدالة هنا لا من الكتاب ، ولا من السنة ، ولا من العقل . الثاني ان حكم الآمر بالمعروف لا يناط بطاعة أو معصية غيره من الأحكام . وكثير من الفقهاء اشترطوا لوجوب الأمر بالمعروف أن يكون الآمر آمناً على نفسه ، بحيث لا يصيبه أي ضرر اذا أمر بالمعروف ، ونهى عن المنكر . ولكن هذا الشرط لا يطّرد في جميع الموارد ، فإن قتال من يحاربنا من أجل ديننا وبلادنا واجب ، مع العلم بأن القتال يستدعي الضرر بطبعه : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ } [ التوبة : 111 ] . ويجوز لكل انسان أن يضحي بحياته إذا تيقن ان في هذه التضحية مصلحة عامة ، وفائدة للعباد والبلاد أهم وأعظم من حياته ، بل هو مشكور عند الله والناس ، وفي الحديث : " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " . وخلاصة القول : يجب دفع الضرر حتى لو كانت له فائدة في الأصل ، كما يجوز للانسان أن يقدم على قطع عضو سقيم من أعضائه ، حرصاً على حياته ، وخوفاً على نفسه من الهلاك . هذا ، الى ان للأسلوب أثره البالغ ، فبعض الأساليب تُنفّر من الحق ، وتجر على صاحبها المتاعب والويلات ، وبعضها تفرض الفكرة على سامعها فرضاً من حيث لا يشعر … والعاقل الحكيم يعطي لكل مقام ما يناسبه من القسوة واللين . وقد كان فرعون في أوج سلطانه وطغيانه ، ولم يكن لموسى وهارون ناصر ولا معين ، ومع ذلك أمرهما ان يدعواه الى الحق ، ولكن بأسلوب هين لين … حتى خالق الكون جلّت كلمته يخاطب عباده تارة بأسلوب التهديد والوعيد ، ويقول لهم : { إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } [ المؤمنون : 65 ] . وتارة يقول لهم برفق : { أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النور : 22 ] . وبالجملة ان اعلان الدعوة الإسلامية على الملأ ، وتآمر المسلمين فيما بينهم بالمعروف ، وتناهيهم عن المنكر - ان هذا ركيزة من ركائز الإسلام ، ومن ثم يحتم وجود فئة معينة تقوم بهذه المهمة ، تماماً كما يحتم وجود سلطة تحافظ على الأمن والنظام ، وفئة تختص بالصناعة ، وأخرى بالزراعة ، وما إلى ذاك مما لا تتم الحياة إلا به . وهذا الأصل من الأصول الأساسية لكل دين ، ولكل مذهب ، وكل مبتدأ ، ولو كان زمنياً ، لأنه الوسيلة المجدية لبث الدعوة وانتصارها ، وردع أعدائها … ولا شيء أدل على ذلك من اهتمام أصحاب المذاهب السياسية والاقتصادية بوسائل الاعلام ، وتطورها وبذل الملايين في سبيلها ، ومن وقوف الدعاية بشتى أساليبها مع المدفع جنباً الى جنب ، وما ذاك إلا لأنهم أدركوا بتجاربهم ان الرأي العام أمضى سلاحاً ، وأقوى أثراً من الصواريخ والقنابل . وقد اشتهر عن أحد أقطاب الحلفاء بعد انتصارهم في الحرب العالمية انه قال : " لقد انتصرنا في المعرفة بقنابل من ورق " . يعني الصحف والنشرات . وتسأل : كيف تجمع بين قوله تعالى : { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } وبين قوله سبحانه : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } [ المائدة : 105 ] ، حيث أفادت الأولى وجوب الأمر بالمعروف ، ودلت الثانية على عدم وجوبه بقرينة ( عليكم أنفسكم ) ؟ الجواب : المقصود بالآية الثانية ان من قام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الوجه المطلوب فلا يضره ضلال من ضل ، واعراض من أعرض ، ما دام قد ادى ما عليه : { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } [ الرعد : 40 ] . سؤال ثانٍ : لقد اشتهر عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فان لم يستطع فبلسانه ، فان لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " وهذا الترتيب يتنافى مع ما هو معروف شرعاً وعقلاً وعرفاً من أن تغيير المنكر انما يبتدئ أولاً باللسان ، فإن لم يُجدِ فبالحرب ، فما هو الوجه لقول الرسول الأعظم ؟ . الجواب : فرق بعيد بين تغيير المنكر ، وبين النهي عن المنكر ، فإن النهي عن المنكر يكون قبل وقوعه - في الغالب - فهو أشبه بالوقاية ، كما لو احتملت ان شخصاً يفكر بالسرقة ، فتنهاه عنها . أما تغيير المنكر فيكون بعد وقوعه ، كما لو علمت ان شخصاً سرق محفظة الغير ، فان كنت قادراً على انتزاعها من السارق ، وردها الى صاحبها وجب عليك أن تباشر ذلك بنفسك إذا انحصر الرد بفعلك خاصة ، ولم يلحقك أي ضرر ، فإن لم تستطع وجب عليك ان تأمر السارق برد المحفظة الى صاحبها ، وتنهاه عن امساكها ، فإن لم تستطع مقتَّ السارق ، ولم ترض بفعله بينك وبين ربك … وموضوع الحديث النبوي تغيير المنكر ، لا النهي عن المنكر " .