Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 159-159)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لنت لهم : ترفّقت بهم . الفظ : الشرس الأخلاق ، الجافي العشرة . القلب الغليظ : القاسي الذي لا يتأثر باللطف والرقة . انفض : تفرق : المشاورة : أخذ آراء الذين حولك من العقلاء وذوي الرأي . التوكل : تفويض الأمر الى الله ، للثقة بحسن تدبيره ، مع أخذ الأهبة واستكمال العدة . بعد ان أرشد الله المؤمنين في الآيات المتقدمة الى ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم ، اتجه في الخطاب هنا الى الرسول الكريم بهذا التعبير الدقيق اللبق ، والمدح العظيم . فهو يريد ان يلطّف الجو بعد معركة أحد ، ويخفف مما في نفس الرسول على القوم الذين كانوا سبباً في تلك النكبة . ويتوجه سبحانه إلى الرسول بهذه الآية والتي بعدها يطيّب قلبه ، والى المسلمين يشعرهم بنعمة الله عليهم به ، ويذكّرهم رحمة الله الممثلة في خُلقه الكريم . { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ … } من رحمة الله عليك ان عاملتَ أصحابك بعد رجوعهم باللين والرفق ، وهذا شيء خصّك الله به ، فقد حباك بآداب القرآن العالية وحِكمه السامية ، فهانت عليك المصائب . هذا مع انَّ كثيرا من أصحابك قد استحقوا اللوم والتعنيف ، اذ تركوك وقت اشتداد الهول فيما الحرب قائمة على أشدها . { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } ولو كنت يا محمد رجلاً خشناً جافيا في معاملتهم لتفرقوا عنك ، ونفرت قلوبهم منك ، فلم تتم هدايتُهم وارشادهم الى الصراط المستقيم . هكذا يجب ان تكون أخلاق الزعيم والقائد الحاكم ، فان الناس في حاجة الى رعاية فائقة وقلب رحيم ، وحلِم لا يضيق بجهلهم وأخطائهم ، لا إلى حاكم ، متعالٍ يتطاول بالغطرسة وادّعاء العظمة في غير حق . وما أرحمَ ما كان قلب الرسول الكريم ، وما أجمل ما كانت سيرته مع الناس : ما غضِب لنفسه قط ، ولا ضاق صدره بضعفهم البشري ، بل وَسِعَهم حلمُه وبره وعطفه . وسيرته طافحة بذلك . { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ } ما أحلى هذا الكلام وما أرقّة وأعطفه ! وما أعظم قوله سبحانه { وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ } ، فهو نص قاطع في تقرير مبدأ الشورى في الحكم الإسلامي ، لا الاستئثار بالسلطة الفردية المتحكمة . وانه لمبدأ عظيم هذا الذي يقرره القرآن بصدد ذلك ، وهو المعمول به اليوم عند الأمم الراقية التي سبقتنا . اما نحن فقد تأخرنا لأننا أدرنا ظهرنا لهذه التعاليم الحكيمة الراشدة ، واتّبعنا مبدأ التسلُّط والقهر . واتخذنا اسم " الرعيّة " وكأنه من الرعي للسائمة لا من الرعاية للبشَر . فاذا عقدت عزمك يا محمد على أمر بعد المشاورة ، فامض فيه متوكلاً على الله ، ان الله يحب الواثقين به ، فينصرهم ويرشدهم الى ما هو خير لهم . اذنْ فالتوكل يجب ان يكون مقروناً بالسعي والعزم والعمل لا نابعاً من التقصير ورغبة في التخلص من العناء ، وإلا فهو تواكُلٌ يمقُتُه الله . في الحديث المعروف الذي رواه الترمذي والبيهقي وأبو نعيم وابن أبي الدنيا وابن حبّان . " قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : أعقلُ ناقتي وأتوكل أو أطلقها وأتوكل ؟ فقال له الرسول الكريم : " اعقِلها وتوكل " . وقد سار هذا الحديث مثلاً .