Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 1-7)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أدنى الأرض : بلاد الشام والعراق ، لأنها أقرب البلاد الى مكة . من بعد غَلَبِهِم : من بعد ما غلبوا . في بضع سنين : البضع ما بين الثلاثة الى العشرة . ظاهر الحياة الدنيا : هو كل ما يشاهَد ويدرك بالحواس . كانت الدولة الرومانية والدولة الفارسية أعظمَ دولِ العالم في عصر النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وكانت الحروبُ بينما دائمة . وفي عصر كسرى أبرويز نَشِطت الدولةُ الفارسية وانتصرت على الروم واستولت على جميع ممتلكاتهم في العراق وبلاد الشام ومصر وآسيا الصغرى . يومذاك تقلصت الامبراطورية الرومانية في عاصمتها ، وسُدّت عليها جميع الطرق في حصار اقتصادي قاس ، وعم القحط ، وفشت الامراض الوبائية . وأخذ الفرس يستعبدون الرعايا الروم ويستبدّون بهم للقضاء على المسيحية ، فدمروا الكنائس وأخذوا خشبة الصليب المقدس وأرسلوها الى المدائن . وأراقوا دماء ما يقرب من مائة الف من السكان المسيحيين . وأوشكت الامبراطورية الرومانية على الانهيار . في هذه الفترة كان المسلمون في مكّةَ في أصعبِ أيامهم وأشدّ مِحنتهم ، وفي حالةٍ من الضعف والضَنْك لا يمكن تصوُّرها . وقد فرح المشركون بنصر الفُرس لأنهم وثنيون مثلهم ، وحزِن المسلمون باندحار الروم لأنهم أهلُ كتاب . وقال المشركون شامتين : لقد غلب إخوانُنا إخوانكم ، وكذلك سوف نقضي عليكم إذا لم تتركوا دينكم الجديد هذا . { الۤـمۤ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ } . يقول المؤرخ البريطاني " جيبون " في كتابه " تدهور الامبراطورية الرومانية وسقوطها " تعليقا على نبوءة القرآن هذه : " في ذلك الوقت حين تنبأ القرآن بهذا لم تكن اية نبوءة ابعدَ منها وقوعا ، لأن السنين الاثنتي عشرة الأولى من حكومة هِرَقل كانت تؤذِن بانتهاء الامبراطورية الرومانية " ، المجلد الخامس صفحة 74 . " فلما سمع أَبو بكر رضي الله عنه هذه الآيات خرج الى المشركين فقال لهم : أفرِحتم بظهور إخوانكم الفرس ، فواللهِ لتظهرنَّ الرومُ على فارس كما أخبرنا بذلك نبيُّنا صلى الله عليه وسلم . فقام اليه أُبيّ بن خلف فقال له : كذبتَ . فقال أبو بكر : أنت كذبتَ يا عدو الله . اجعل بيننا أجَلاً أراهنك على عشر قلائص منّي وعشرٍ منك ، فان ظهرت الرومُ على فارس ربحتُ انا الرهان ، وان ظهرت فارس ربحتَ أنت الرهان . ثم جاء الى النبيّ عليه الصلاة والسلام فأخبره ، فقال الرسول الكريم : زايدْه في الرِهان ومادَّه في الأجلِ . فخرج ابو بكر ، فلقي أُبي بن خلف فقال له : لعلّك ندمتَ ؟ فقال : لا . فقال أبو بكر : تعالى أزايدْك في الرهان ، وأمادّك في الأجل ، فاجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين قال : قد فعلت . وقد قتل أُبي في معركة أُحُد . ولما ظهرت الرومُ على الفرس واستعادوا بلادهم وصدقت نبوءة القرآن ، أخذ ابو بكر مائةَ ناقة من ورثةِ أُبيّ وتصدّق بها . وهذا كان قبل تحريم الميسر " وهكذا صدقت نبوءةُ القرآن الكريم عن غلبة الروم في أقلَّ من عشر سنين ، وفي هذا اكبرُ دليلٍ على ان القرآن كتابُ الله ، وان هذه النبوءة جاءت من لدن مهيمنٍ على كل الوسائل والأحوال ، وَمن بيده قلوبُ الناس وأقدارُهم . { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ ٱللَّهِ … } فقد فرح المؤمنون بنصرهم في معركة بدر ، وجاءتهم الأخبارُ في نفسِ التاريخ بنصرِ الروم على الفُرس ، فكان ذلك فرحاً عظيماً بنصرهم على قريش ، وبصدق نبوءةِ القرآن الكريم . { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ } { وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ذلك النصرُ وعدٌ من الله للمؤمنين فلا بدّ من تحققه في واقع الحياة ، فالله تعالى لا يُخلفُ وعده ، ولكن اكثر الناس لا يعلمون ، ولو بدا في الظاهر انهم يعرفون الكثير من امور الدنيا . { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ثم لا يتجاوزون هذا الظاهرَ ولا يرون ببصيرتهم ما وراءه . وظاهرُ الحياة الدنيا محدودٌ صغير ، مهما بدا للناس واسعاً شاملا . فما هذه الأرض بل هذا النظام الشمسي بأجمعه - الا ذرةً في هذا الكون الكبير الذي لا نعرف عنه شيئا … { وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } فالآخرة حياةٌ ثانية تختلف عن كل ما نرى وما نعلم ، وهي صفحة من صفحات الوجود الكثيرة ، وصاحبُ الحظ من تزوّد لها ، وعمل لها الأعمال الصالحة ، { فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ } .