Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 9-15)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جاءتكم جنود : الاحزاب ، وهم قريش وبنو اسد وغطفان وبنو عامر وبنو سليم ومن اليهود بنو النضير وبنو قريظة . جنود لم تروها : الملائكة . زاغت الابصار : تحيرت من الدهشة والخوف . بلغت القلوب الحناجر : فزعت فزعاً شديداً كأنها قفزت الى الحُلُوق من الخوف . ابتلي المؤمنون : اختُبروا وامتحنوا . وزُلزلوا زلزالا شديدا : اضطربوا من الفزَع بشكل رهيب من كثرة العدو . والذين في قلوبهم مرض : ضعفاء الايمان من المسلمين قريبي العهد بالاسلام . الا غرورا : وعداً باطلا قصد به التغرير بنا . يثرب : من اسماء المدينة ، ولها مائة اسم . لا مقام لكم : لا ينبغي لكم الاقامة هنا . ان بيوتنا عورة : يعني مكشوفة للعدو خالية من الرجال المدافعين عنها . من اقطارها : من جوانبها . الفتنة : الردة ومقاتلة المؤمنين . آتوها : اعطوها . وما تلبّثوا بها : ما اقاموا بالمدينة . لا يولّون الادبار : لا يفرون منهزمين . نزلت هذه الآيات الى آخر الآية السابعة والعشرين في تفصيل غزوة الأحزاب ، أو غزوة الخندق . كانت غزوة الأحزاب في شوّال سنة خمسٍ من الهجرة ، وكانت من أخطرِ الحوادث التي واجهها رسول الله والمسلمون ، في تقرير مصير الدعوة الاسلامية . وكانت معركةً حاسمة ومحنة ابتُلي المسلمون فيها ابتلاءً لم يبتلوا بمثله . أما سببها فهو أنه خرج نفرٌ من بني النضير ، ونفر من بني وائل من اليهود ، فقدِموا على قريش في مكة . وهناك دعوا قريشاً الى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا لهم : أنا سنكون معكم حتى نستأصلَه هو ومن معه . فسرّ ذلك قريشاً ، ونشِطوا لما دعوهم اليه . ثم خرج وفد اليهود فجاؤا غطفان ودعوهم الى حرب المسلمين . وطافوا في القبائل ، حتى تمت لهم اتفاقية عسكرية ، كانت قريش وغطفان من أهم اعضائها . فحشدت قريش أربعة آلاف مقاتل ، وغطفان ستة آلاف . وأُسندت قيادةُ الجيش الى ابي سفيان ، وتعهد اليهود ان يدفعوا الى غطفان كل ثمرِ نخلِ خيبرَ لسنة واحدة . ولما سمع رسول الله وأصحابه عن تجمُّع القبائل مع قريش لقتال المسلمين وزحفهم الى المدينة - تهيأ المسلمون للحرب ، وقرروا التحصنّ في المدينة والدفاع عنها . وكان جيش المسلمين لا يزيد على ثلاثة آلاف مقاتل . وفي هذه الاثناء أشار سلْمان الفارسيّ ، رضي الله عنه ، بحفر الخندق حول المدينة ، وكانت هذه خطةً حربية متّبعة عند الفرس . فأمر الرسول الكريم بحفر الخندق في السهل الواقع شماليّ غرب المدينة ، وهو الجانب المكشوف الذي يُخاف منه اقتحام العدو . وقد قسم رسول الله الخندقَ بين اصحابه لكل عشرةٍ اربعين ذراعا . وبلغ طول الخندق خمسة آلاف ذراع ( نحو اربعة كيلو مترات ) ، وعمقه من سبعة اذرع إلى عشرة ، وعرضُه من تسعة أذرع الى ما فوقها . وكان حده الشرقي طرفَ حَرّة واقِم ، وحده الغربي وادي بُطْحان حيث طرفُ الحرة الغربية ، حرة الوبرة . وعمل المسلمون في حفر الخندق بجدٍّ ونشاط . وكان كلما عَرَضَ لهم مكان صعب فيه صخر لجأوا الى الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فيأخذ المِعولَ بيده ويضربها حتى تتفتت ، حتى أكملوه وتحصنوا وراءه . وكان بين المسلمين وبني قريظة من اليهود معاهدةٌ ، فحملهم حُييّ بن أخطَب ، سيدُ بني النضير ، على نقض تلك المعاهدة . فنقضوها ، وتأهبوا لقتال المسلمين مع المشركين من قريش والعرب . وعظُم عند ذلك البلاء ، واشتد الخوف ، وزاغت الأبصار ، وبلغت القلوبُ الحناجر . وجاء ابو سفيان يقود ذلك الجيشَ الجرار وأحاطوا بالمدينة . وفوجئوا بالخندق ، فوقفوا من ورائه ، وقفز احد أبطالهم وهو عمرو بن عبد ودٍّ العامري بحصانه فاجتاز الخندقَ وطلب المبارزة . فبرز له عليّ بن ابي طالب كرم الله وجهه ، وقتله . ثم حصل بعضُ التراشق بالسهام ، ودام الحصار نحو شهر ، اشتد فيه البلاء . واستأذن بعض المنافقين في الذهاب الى المدينة وقالوا : { إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } . وكان الوقت شتاءً واشتد البرد وهبّت ريح عاتية فقلبت القدور وقوضت الخيام . فقام ابو سفيان وقال : يا معشر قريش ، إنكم واللهِ ما اصبحتم بدار مقام ، وقد أخلفتنا بنو قريظة ، وبلغَنا عنهم الذي نَكره ، ولَقِينا من شدة الريح ما ترون ، فارتحِلوا فإني مرتحِل . فانطلَقوا ، واصبح الصباح فاذا القوم قد ارتحلوا . وانصرف المسلمون ووضعوا السلام وصدق الله العظيم : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } . { وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } . ووضعت الحربُ أوزارها ، فلم ترجعْ قريش بعدَها الى حرب المسلمين . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن تَغزُوكم قريش بعد عامِكم هذا ، ولكنّكم تغزونهم " والقصةُ بطولِها في سيرة ابن هشام وفي صحيح مسلم ، وابن كثير . واستُشهد من المسلمين يوم الخندق سبعة ، وقُتل من المشركين اربعة . { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ … } . إنها صورة هائلة مرعبة ، فقد جاء ابو سفيان بذلك الجيش الكبير وحاصروا المسلمين من كلّ مكان ، وبنو قريظة من ورائهم ، فَبَلَغ الخوف أقصاه ، وبلغت القلوبُ الحناجر خفقاناً واضطرابا ، وظنّ بعضهم بالله ظنونا سيئة . وكان ذلك اختباراً كبيرا وامتحاناً شديدا للمؤمنين . وأخذ المنافقين والذين في قلوبهم مرضٌ من ضعاف المسلمين يقولون : ما وعدَنا الله ورسولُه من النصر وعلوّ الكلمة الا وعداً باطلا ! وقالت طائفة من المنافقين كعبد الله بن أُبيّ واصحابه : يا أهلَ المدينة ، ليس هذا المقام بمقامٍ لكم فارجعوا الى منازلكم ، { وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } وهم من بني حارثة . وما كان استئذانهم إلا جبناً وفِراراً من القتال . ثم بين الله وَهْنَ الدينِ وضعفه في قلوبهم فقال : { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً } . ولو دخل عليهم الاحزابُ من جوانب بيوتهم ، ثم طلبوا إليه الارتدادَ عن دِينهم وأن يقاتِلوا المؤمنين - لفعلوا ذلك مسرِعينَ من شدة الخوف . ولقد كانوا عاهدوا الله لا ينهزمون امام عدوٍّ قط ، { وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً } . قراءات : قرأ ابو عمرو ويعقوب وحمزة : الظنون بدون ألف . والباقون : الظنونا بالف بعد النون وقرأ حفص : لا مُقام لكم بضم الميم بمعنى الاقامة . والباقون : لا مَقام لكم بفتح الميم بمعنى الموضع . وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر : لأتوها من غير مد ، والباقون : لآتوها بالمد . يقول الطبري : قرأ بعض المكيين وعامة قراء الكوفة والبصرة لآتوها بمد الألف . وحفص كوفي ، فتكون قراءة المصحف الصحيحة لآتوها بالمد .