Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 171-172)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الغلو : مجاوزة الحد . كلمته : وهي " كُن " التي وُجد فيها . ألقاها الى مريم : أوصلها اياها . روح منه : لأنه خُلق بنفخٍ من روح الله وهو جبريل . الاستنكاف : الامتناع عن الشيء أنفةً وكِبرا . بعد ان انتهى القرآن من محاجّة اليهود وإنصاف سيّدنا عيسى وأمه الطاهرة من افتراءاتهم وغلوِّهم في تحقيره عطف هنا الى إنصاف عيسى من غلو النصارى في شأنه ، ورفضِ ما دخل عليهم من أساطير الوثنية التي تسربت الى عقيدة المسيح بعده ، بفعل شتى الأقوام والمِلل . يا أهل الكتاب من اليهود ، لا تتجاوزوا الحدود التي حدّها الله ، ولا تعتقدوا الا الحق الثابت : إحذروا ان تفتروا على الله الكذب . فتنكروا رسالة عيسى ، او تجعلوه آلها مع الله . إنما هو رسول من عند الله كسائر الرسل ، خَلقه بقُدرته ، وكلمتِه التي نفخها روحه جبريل في مريم . فالمسيح سرٌّ من أسرار قدرته ، وليس ذلك بغريب . أما خلَقَ آدَمَ من قبله من غير أب ولا أم ! ! { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ آل عمران : 59 ] . قال القاسمي في تفسيره : " يحكى ان طبيبا نصرانياً من أطباء الرشيد ناظر عليَّ بن حسين الواقدي ذات يوم فقال له : ان في كتابكم ما يدل على ان عيسى عليه السلام جزء منه تعالى . وتلا هذه الآية ؟ { إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ } . فقرأ الواقدي قوله تعالى في سورة الجاثية : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ } ، فقال إذن يلزم ان يكون جميع تلك الأشياء جزءاً من الله ، تعالى علوا كبيرا . فانقطع النصراني وأسلم . وفرح الرشيد بذلك الجواب ووصل الواقديَّ بِصِلة فاخرةٍ . آمِنوا يا نصارى بالله ورسله جميعاً إيماناً صحيحاً ، ونزِّهوه عن كل شريك ومثيل . لا تقولوا إن الآلهة ثلاثة . انتهوا عن هذا الباطل ، فهو نقيض لعقيدة التوحيد التي جاءت بها الأديان السماوية . إن الله يا هؤلاء واحد منزَّه عن التعدد ، فليس له أجزاء ولا أقانيم ، ولا هو مركَّب ولا متَّحد بشيء من المخلوقات . الأقانيم : جمع اقنوم معناها الاصل ، والاقانيم الثلاثة عند النصارى هي : الأب والابن وروح القدس . قال مرقص في الفصل الثاني عشر من انجيله : ان أحد الكتبة ( من اليهود ) سأل يسوع عن أول الوصايا فأجابه : أول الوصايا إسمع يا إسرائيل ، الربُّ آلهنا واحد … فقال له الكاتب " جيداً يا معلِّم ، بالحق قلتَ إنّه واحد وليس آخرُ سواه . فلما رأى يسوعُ أنه أجاب بعقلٍ قال له لستَ بعيداً عن ملكوت السماوات " . هذا نص صريح على ان عقيدة المسيح التوحيد ، سبحانه تعالى ، تقدَّس ان يكون له ولد . وما حاجته اليه ، وكل ما في السماوات والأرض ملك له ! ! لن يأنَف المسيح او يترفع عن ان يكون عبداً لله ، فهو عارف بعظمة الله وما يجب له من العبودية . كذلك لن يأنف الملائكة المقربون عن ذلك ، ومن يتكّبر على ذلك ، أياً كان ، فإن الله سيحشرهم يوم القيامة ويجزيهم اشد الجزاء .