Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 3-3)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تقسطوا : تعدلوا . تعولوا : تميلوا عن الحق ، وقيل يكثُر عيالكم . يسأل كثير من الناس قديماً وحديثا : ما وجه الربط بين العدل في معاملة اليتامى ، ونكاح النساء ! وقد سأل عروة بن الزبير خالته عائشة أم المؤمنين ، ففسرت ذلك بأن بعض أولياء اليتامى كان يتزوج بمن عنده من اليتيمات اللاتي يحل له زواجهن ، أو يزوّجها بعض أبنائه ، ويتخذ ذلك ذريعة الى أكل مالها أو أكل مهرها الذي تستحقه بعقد الزواج . فأنزل الله تعالى هذه الآية مرشدة لهم بأن من كان عنده يتيمة وأراد ان يتزوج بها أو يزوّجها من بعض أبنائه ، لا لغاية أكل مالها أو أكل مهرها فلا مانع من ذلك . اما اذا اراد ان يتزوجها ليأكل مالها أو مهرها ، فان الله يأمره أن يتركها تتزوج غيره ، وله ان يتزوج غيرها . ولقد أباح له الزواج بأكثر من واحدة الى اربع نساء . ثم وضع شرطاً مهماً جداً فقال : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ } بين الزوجات فعليكم ان تكتفوا بواحدة فقط ، لكم ان تتمتّعوا بمن تشاؤون من السراري . واختيار الواحدة اقرب من عدم الجور والظلم ، اذ ان العدل بين النساء من الأمور الصعبة جدا . لذلك قال تعالى في آية أخرى { وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } والمقصود بالعدل هنا هو المعاملة الطيبة ، والنفقة ، والمعاشرة الحسنة للزوجات على السواء . اما العدل في مشاعر الرجل وميله القلبي فإنه غير ممكن وليس هو المقصود . فان النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول : " اللهم هذا قَسمي فيما امِلكَ ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " . وموضوع تعدد الزوجات أمرٌ كثر فيه الكلام قديماً وحديثا ، واتخذه أعداء الاسلام سبيلاً للطعن فيه ، ولا سيما المستشرقون والمبشرون . ولو ان هؤلاء المتعصبين بحثوا الموضوع بتجرد عن الهوى لرأوا ان الاسلام لم يبتدع تعدد الزوجات بل حدّده ووضع قيوداً تقلله بقدر الامكان . فقد كان التعدد معروفاً ومعمولاً به عند جميع الأمم ، فجاء الاسلام ورخّص فيه وقيّده بقيود صارمة . وذلك لمواجهة واقع الحياة البشرية ، وضرورات الفطرة الانسانية . إن الناس ليسوا سواء ، فمنهم من لا تكفيه زوجة واحدة ومنهم المضطرُّ الى الجمع ، لأمور عديدة , والدين الاسلامي ليس ديناً جامداً ، بل هو واقعيٌّ ايجابي ، يتوافق مع فطرة الانسان وتكوينه كما ينظر الى واقعه وضروراته , ولهذا أباح تعدد الزوجات بذلك التحفظ الشديد ، فيحسن ان يؤخذ هذا الموضوع بيسر ووضوح ، وان تُعرف الملابسات التي تحيط به ، فلا ينبغي لمسلم ان يقدم على الزواج بأكثر من واحدة الا لضرورة ، ومع مراعاة ما أوجبه الله من العدل . { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } تمتعوا بما شئتم من السراري ، وهذا غير موجود في عصرنا . { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } اي ان الاقتصار على زوجة واحدة أقرب الى عدم الوقوع في الظلم والجور ، كما أنه أدعى إلى ألاّ تكثر عيالكم فتعجزوا عن الانفاق عليهم .