Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 27-29)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الرؤيا : ما يراه النائم . صدَق الله رسوله الرؤيا : صدقه فيما رآه في نومه ولم يكذبه . محلّقين رؤوسكم ومقصرين : بعضكم يحلق شعره كله ، وبعضكم يقصر منه . ليُظهره على الدين كله : ليعليه على سائر الأديان . فضلا : ثوابا . سِيماهم : علامتهم . مثَلهم : وصفهم . شَطْأه : شطأ الزرع ما يتفرع عليه من أغصان وورق وثمر . آزره : أعانه وقوّاه . وهو من المؤازرة وهي المعاونة . استوى : استقام . على سوقه : على قصبه وأصوله ، والسوق جمع ساق . رأى النبي عليه الصلاة والسلام في منامه وهو في المدينة قبل ان يخرج الى الحديبية رؤيا أنه يدخلُ المسجدَ الحرام هو واصحابه آمنين ، منهم من يحلق شعره كله ، ومنهم من يقصّر منه . فأخبر بذلك أصحابه ، ففرحوا وحسبوا انهم داخلون مكة في ذلك العام الذي خرجوا فيه الى الحديبية . فلما انصرفوا ولم يدخلوا مكة شقَّ ذلك عليهم ، وقال المنافقون : أين رؤيا النبي التي رآها ؟ فانزل الله تعالى هذه الآية . ودخلوا في العام المقبل . وهذا معنى { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّؤْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ … الآية } { فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } هو صلح الحديبية وفتح خيبر . ثم أكد صدقَ الرسول الكريم في الرؤيا بقوله : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } وهذا وعدٌ من الله حقّقه للرسول الكريم في حياته ثم انتشر الاسلام في جميع أرجاء الأرض في اقصر مدة . وبعد ان بين الله تعالى انه ارسل رسوله بالهدى ودين الحق الذي هو الاسلام ، ليظهره على جميع الاديان - أردف ذلك ببيان أوصاف الرسول الكريم واصحابه . فوصفهم بأوصافٍ كلها مدائح لهم ، وذكرى لمن بعدهم . بتلك الاوصاف سادوا الأمم ، وامتلكوا الدول ، ونشروا الاسلام ، وقبضوا على ناصية العالم . وهذه الصفات هي : 1 - انهم أشدّاء على من خالف دينهم وبادأهم العداء ، وهم متراحمون متعاطفون فيما بينهم . 2 - انهم جعلوا الصلاة والاخلاصَ لله طريقتهم في أكثر أوقاتهم ، لذلك تُبِصرهم راكعين خاشعين كثيرا . 3 - وانهم بذلك يطلبون ثوابا عظيما من الله تعالى ورضوانا منه . 4 - ذلك وصفهم البارز في التوراة . 5 - وفي الانجيل ضرب بصفتهم المثل فقال : سيخرج قوم ينبُتون نبات الزرع ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر . ذلك انهم في بدء الاسلام كانوا قليلي العدد ثم كثروا وارتقى أمرهم يوما بعد يوم حتى أعجب الناسُ بهم ، كصفة زرع اخرج اول ما ينشقّ عنه ، فآزره فتحوّل من الدِقة الى الغِلظ ، فاستقام على أصوله ، يُعجِب الزراعَ بقوّته واكتماله . وكذلك كان حال المؤمنين لِيَغيظَ الله بهم وبقوّتهم الكفار . { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } وقد وفى سبحانه وتعالى بوعده ونصر رسوله وجُندَه ، وهزم الأحزابَ وحده . بهذه الأوصاف الجليلة يختم هذه السورة العظيمة ، وهذه اوصاف الأمة الاسلامية أيام عزها ، يوم كان المسلمون مستمسكين بالعروة الوثقى ، سائرين على هُدى دينهم بحق واخلاص . فانظر الآن وتأمل في حال المسلمين : يحيط بهم الذل والخوف من شرذمة من اليهود تجمعت في فلسطين ، اغتصبت ديار الاسلام ، وهي تضرب العرب في لبنان صباح مساء وتبيد الناس ابادة ، وتهدم ما يصنع العرب من ادوات للتقدم حتى وصلت الى ضرب المفاعل الذري في بغداد ، ويصرخ زعماؤها بتبجح اليهود المعروف انها لن تسمح للعرب أن يقيموا اية آلة تجعلهم يتقدمون صناعياً وعلميا . كل هذا وحكام العرب خائفون ساكتون كأن شيئا لم يحدث ، وزعماؤهم يتباكون ويطلبون من أمريكا عدوّ العرب الأول أن تحلّ لهم قضيتهم ! يا للذل والعار ! كيف نستطيع ان نواجه ربنا غداً يوم نلقاه ! ما هي العلة التي نتعلل بها لرسولنا الكريم ! لعل الله ان يبدل الحالَ غير الحال ، ويخضّر الزرعُ بعد ذبوله ، وتعود الأمة الى سيرتها الأولى ، متمسكة بدينها الحنيف ، مجتمعة الكلمة ، موحدة الهدف . واللهَ أسأل ان يلهمنا الصواب والرشد والرجوع الى ديننا الحنيف . وعند ذلك ينطبق علينا قوله تعالى : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } والحمد لله رب العالمين .