Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 41-43)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحزن : ألمٌ يجده الإنسان عند فَوت ما يحب . سارعَ في كذا : أسرع فيه وهو داخل فيه ، وهنا الكفّار داخلين في الكفر . الفتنة : الاختبار ، كما يُفتن الذهب بالنار . السحت : ما خبُث من المكاسب وحرم . المقسِط : العادل . يا ايها الرسول : خطاب للنبي ، وقد ورد الخطاب في جميع القرآن الكريم بعبارة " يا أيّها النبي " إلا هنا في هذه الآية ، والآية 67 من هذه السورة { يَـۤأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } . وهذا الخطاب للتشريف والتعظيم ، وتعليمٌ للمؤمنين ان يخاطبوه بهذا الوصف العظيم . أيها الرسول ، لا تهتم بهؤلاء المنافقين الذين يتنقلون في مراتب الكفر من أدناها الى أَعلاها ، ويسارعون في التحيز الى اعداء المؤمنين عندما يرون الفرصة سانحة ، فالله يكفيك شرّهم ، وينصرك عليهم وعلى من ناصرهم . { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ … } … أي الذين أدّعوا بألسنتهم ولم يؤمن قلوبهم . { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هِادُواْ … } . ومن اليهود الذين يُكثرون الاستماعَ إلى ما يقوله رؤساؤهم وأحبارهم في النبي صلى الله عليه وسلم والاستجابة لطائفة منهم ، لم يحضروا مجلسَك تكبُّراً وبغضاً . فهم جواسيس بين المسلمين يبلّغون رؤساءَهم أعداءَ الاسلام كل ما يقفون عليه من أخبار ، ويحرّفون ما يحرفون ، ثم ينقلون تلك الأكاذيب الى الأحبار المتخلّفين عن الحضور . { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ … } . اي يحرّفون كلام التوراة بعد أن ثبّته الله في مواضعه المعّينة إما تحريفاً لفظياً بإبدال كلماته ، أو باخفائه وكتمانه تسهيلاً لزيادةٍ فيه او النقص منه ، وإما تحريفاً معنوياً بالالتواء في التفسير . روى الامام أحمد والبخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه قال : " ان اليهود أتوا النبي صلى لله عليه وسلم برجلٍ منهم وامرأةٍ قد زنيا فقال : ما تجدون في كتابكم ؟ قالوا : نُسَخِّم وجوههما ويخزيان ، قال : كذبتم ان فيها الرجم ، فأتُوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتُم صادقين . فجاؤوا بالتوراة مع قارىء لهم أعور يقال له ابن صوريا . فقرأ ، حتى اذا أتى الى موضع منها وضع يده عليه ، فقيل له : ارفع يدك . فرفع يده ، فاذا هي تلوح " يعني آية الرجم " ، فقالوا : يا محمد ، إن فيها الرجم ، ولكنّا كنّا نتكاتمه بيننا . فأمر بهما رسول الله فرُجما " . ومن قبيل ذلك ما قاله مارتن لوثر في كتابه : اليهود وأكاذيبهم . " هؤلاء هم الكاذبون الحقيقيون مصّاصو الدماء ، الذين لم يكتفوا بتحريف الكتاب المقدّس وإفساده ، من الدفة الى الدفة ، بل ما فتئوا يفسّرون محتوياته حسب أهوائهم وشهواتهم … الخ " وهي كلمة طويلة . { يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ … } يقول اولئك الرؤساء لأتباعهم الذين أرسلوهم ليسألوا النبيّ عن حكم الرجل والمرأة الزانيين إن اعطاكم محمد رخصة بالجَلد عوضاً عن الرجّم فخُذوها ، وارضوا بها ، وإن حكَمَ بالرَّجم فارفضوا ذلك . { وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ … } ومن يُرد الله اختباره في دينه فيُظهره الاختبارُ ضلالَه وكفره ، فلن تملِك له يا محمد شيئاً من الهداية . هؤلاء المنافقون والجاحدون من اليهود … قد أظهرت فتنةُ الله لهم مقدارَ فسادهم ، فهم يقبلون الكذب ويحرّفون كلام الله ، اتباعاً لأهوائهم ومرضاة رؤسائهم . لا تحزن البتةَ على مسارعتهم في الكفر ، ولا تطمع في جذبهم الى الايمان ، ولا تخفْ عاقبة نفاقهم فإنما العاقبة للمتقين . { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ … } إنّ الذين بلغت منهم الفتنة ذلك المبلغ هم الذين لم يرد الله تطهير قلوبهم من الكفر والنفاق فلن تستطيع ان تهديهم ، لهم في الدنيا خِزي وذلّ ولهم في الآخرة عذاب شديد . { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } اعاد الله وصفهم بكثرة السماع للكذب ، للتأكيد ، وبيان أن أمرهم كلَّه مبنيٌّ على الكذب . كما وصفهم بأنهم أكالون للسحت ، أي الحرام ، لأنه انتشر بينهم ، كالرشوة والربا واختلاس الأموال . وكل ذلك شائع في مجتمعنا نحن الآن مع الأسف . قراءات : قرأ ابن كثير وابو عمرو والكسائي ويعقوب السُّحُت بضمتين ، وهما لغتان . { فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ … } فإن جاؤوك لِتحكم بينهم فأنت مخيَّر بين الحكم بينهم والاعراض عنهم . فإن اخترتَ الإعراض عنهم فلن يضروك بأي شيء ، لأن الله عاصمُك من الناس . { وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } . وإن اخترتَ ان تحكم بينهم فاحكم بالعدل الذي أمَر الله به ، وهو ما تضمّنه القرآن واشتملت عليه شريعة الاسلام . ان الله يحب العادلين . { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } . عجباً لهم كيف يطلبون حكمك في قضاياهم مع ان حكم الله منصوص عليه عندهم في التوراة ، هي شريعتهم ، ثم يرفضون ما حكمتَ به لأنه لم يوافق هواهم ! ! ان أمرهم لمن أعجب العجب ، وما سببُ ذلك إلا أنهم ليسوا مؤمنين لا بالتوراة ولا بك أيضا .