Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 52, Ayat: 29-44)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الكاهن : الذي يوهم الناسَ أنه يعلم الغيب عن طريق اتصاله بالجنّ . نتربص : ننتظر . المنون : المنية ، والدهر . ريب المنون : حوادثُ الدهر وصروفه . أحلامهم : عقولهم . قومٌ طاغون : ظالمون تجاوزوا حد المكابرة والعناد . تقوّله : اختلقه من عند نفسه . من غير شيء : من غير خالق . خزائن ربك : خزائن رزقه . المصيطرون : بالصاد وبالسين : القاهرون ، المسلَّطون ، سيطر عليه : تسلط عليه . بسلطان مبين : بحجة واضحة . من مَغرم مثقلون : من غرامة ثقيلة عليهم . كيداً : شراً . مَكيدون : يحيق بهم الشر ويعود عليهم وباله . كسفا : جمع كسفة وهي القطعة من الشيء . مركوم : متراكم بعضه فوق بعض . يأمر الله تعالى رسوله الكريم أن يداوم على التذكير والموعظة ، وعدم المبالاة بما يكيد المشركون ، فما أنت ايها الرسول ، بفضل ما أنعم الله به عليك من النبوة ورجاحة العقل بكاهن ، ولا بمجنون كما يزعمون ، ولا انت شاعرٌ كما يقولون حتى يتربّصوا بك حوادثَ الدهر ونكباته . { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } روي ان عدداً من زعماء قريش اجتمعوا في دارِ النَّدوة وتداولوا أمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، فقال قائل منهم : تربَّصوا به رَيْبَ المنون ، فانه شاعر وسيهلِك كما هلك النابغةُ والأعشى وغيرهما ، فابتعدوا عنه ، واتقوا لسانه ، مخافةَ ان يَغلِبكم بشِعره ، فنزلت هذه الآية : { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } قل لهم ايها الرسول : انتظِروا ، فإني معكم من المنتظرين . ثم سفّه أحلامَهم بقوله تعالى : { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } هل تأمرهم عقولهم بهذا القول المتناقِض ، فالكاهنُ والشاعر من أهلِ الفطنة والعقل والذكاء ، والمجنونُ لا عقل له ، فكيف يكون شاعراً أو مجنوناً ! ؟ ، بل الحقّ أنهم قومٌ طاغون ، يفتَرون الأقاويل دون دليل عليها . ثم زادوا في الإنكار ونسَبوا الى النبيِّ الكريم أنه اختلق القرآن من عنده ، بل هم بمكابرتهم لا يؤمنون . فإن صحَّ ما يقولون فليأْتوا بحديثٍ مثل القرآن ، ان كانوا صادقين في قولهم ان محمداً اختلقه . ثم انتقل الكتابُ الى الردّ عليهم في إنكارهم وجودَ الخالق كما هو شأن الدهرِيين فقال : { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ } هل خُلقوا من غير إله ، ام هم الّذين خلَقوا أنفسَهم ، فلا يعترفون بخالقٍ يعبدونه . وهل هم الذين خلَقوا السماواتِ والأرضَ على هذا الصنع البديع ؟ بل حقيقةُ أمرهم أنهم لا يوقنون بما يقولون . وهل عندهم خزائنُ ربّك يتصرفون بها ، { أَمْ هُمُ ٱلْمُسَيْطِرُونَ } القادرون المدبِّرون للأمور كما يشاؤون . الحقيقة ان الأمرَ ليس كذلك ، بل اللهُ هو المالكُ المتصرف الفعال لما يريد . قراءات : قرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي المسيطرون بالسين . والباقون بالصاد . يقال : سيطر وصيطر . روى البخاري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه جبير قال : سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرِب بالطّور ، فلما بلغ قوله تعالى : { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُسَيْطِرُونَ } قال : كادَ قلبي يطير ، وأثّرت فيه هذه الآياتُ وكان ذلك من أسباب دخوله الاسلام . وكان جبير من الذين وفَدوا على النبي الكريم بعد وقعةِ بدرٍ في فداء أسرى قريش . فاذا كانت أقوالُهم هذه غيرَ صحيحة فهل يدَّعون انهم ارتقوا بمصعَدٍ إلى السماء وسمعوا شيئاً من الله ؟ { فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } فليأتِ الذي استمع شيئاً بحجّة واضحةٍ تصدِّق دعواه . ثم رد على الذين قالوا ان الملائكة بناتُ الله ، وسفّه احلامهم ، اذ اختاروا له البناتِ ولأنفسِهم البنينَ فقال : { أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ } كما تشاؤون وتحبّون ؟ ولماذا يكذِّبون رسول الله ؟ هل طلبَ منهم أجرة باهظة تُثقل كواهلهم { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } ؟ أم عندَهم عِلم الغيب ، فهم يكتبون منه ما يشاؤن ؟ بل يريد هؤلاء المشركون بقولهم هذا وافترائهم كيداً في رسول الله وفي الناس . فإن كان هذا ما يريدون فكيدُهم راجعٌ إليهم ووبالُه على أنفسهم . ام لهم الهٌ يعبدونه غير الله يمنعهم من عذاب الله ؟ { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } . { وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } . ان هؤلاء القوم معانِدون مكابرون ، فحتى لو رأَوا بعضَ ما سألوه من الآيات ، فعاينوا بعضَ السماءِ ساقطاً لكذّبوا وقالوا : هذا سحابٌ بعضُه فوق بعض . وذلك لأن الله ختم على قلوبهم ، وأعمى أبصارَهم .