Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 105-107)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

نصرّف الآيات : نأتي بها متواترة حالا بعد حال ، مفسرين لها في كل مقام بما يناسبه . درس الكتابَ والعلم يدرسه درسا ودراسة ومدارسة : قرأه وتعلمه . يتجه الخطاب هنا الى الرسول الكريم ، فيتحدث عن تصريف الآيات على مستوى لا يمكن ان يأتي به النبي الأُمّيّ من عنده . وفي ذلك إشارة الى أن المشركين يعلمون حق العلم ان النبيّ محمداً عاش بينهم ولم يدخل مدرسة ، ولم يجلس إلى معلم ، ومع هذا فهم يعاندون فيقولون : إن محمداً درس هذه القضايا العقيدية والكونية مع أحد أهل الكتاب . كيف هذا وما كان شيء من حياتك يا محمد خافياً عليهم ، لا قبل الرسالة ولا بعدها ! وكيف هذا وليس مِن أهل الكتاب من يعلم شياً على هذا المستوى ! ان كتب أهل الكتاب موجودة قائمة ، والمسافة شاسعة بين ما فيها وما في هذا القرآن الكريم . ولا نريد ان نقول في هذه الكتب التي بين ايديهم شيئا ، لكن علماءهم وكتابهم انتقدوها وبيّنوا كثيرا من زيفها وتحريفها . وقد صدر حديثا كتاب لعالم وطبيب فرنسي كبير هو الدكتور " موريس بوكاي " جعل اسمَه " القرآن والتوراة والانجيل والعلم " وفيه بيّن هذا العالم الكبير بعد دراسته التحليلية ان القرآن لا يتناقض مع الحقائق العلمية والتاريخية ، خلافاً للتوارة والانجيل . وهو يقول : " لقد اعتبر الاسلام دائماً أن هناك اتفاقاً بين معطيات كتابه المقدس والواقع العلمي . ولم تكشف دارسه نص القرآن في العصر الحديث عن الحاجة الى اعادة النظر في هذا . وسوف نرى فيما بعد ان القرآن يثير وقائع ذات صفة علمية . وهي وقائع كثيرة جدا ، خلافاً لقلّتها في التوراة . وليس هناك أي وجه للمقارنة بين القليل جداً لما أثارته التوراة من الأمور ذات الصفة العلمية ، وبين تعدّد الموضوعات ذات السمة العلمية وكثرتها في القرآن … وعلى سبيل المثال ، نحن نجهل التاريخ التقريبي لظهور الانسان على الارض … لكنّنا لا نستطيع علمياً قبول صحة نص سفر التكوين الذي يورد أنساباً وتواريخ تحدّد أصل ظهور الانسان ( خلق آدم ) بحوالي 37 قرنا قبل المسيح … هذا فيما نستطيع ان نطمئن إلى أنه لن يمكن أبداً إثبات أن الإنسان قد ظهر على الارض منذ 5736 سنة كما يقول التاريخ العبري في 1975 . وبناء على ذلك فإن معطيات التوراة الخاصة بِقدم الانسان غير صحيحة . وان الدارسة التي نقدمها الآن تختص بما تُنبئنا به الكتب المقدسة فيما يتعلق بالظاهرات الطبيعية المتنوعة الكثيرة ، والتي تحيطها تلك الكتب بقليل او بكثير من التعليقات والشروح . ولا بد من الملاحظة ان الوحي القرآني غني جداً في تعدُّد هذه المواضيع ، وذلك على خلاف ندرتها في العهدَين القديم والجديد . لقد قمتُ أولاً بدارسة القرآن الكريم ، وكان ذلك دون أي فكر مسبق وبموضوعية تامة ، باحثاً عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث . وكنت أعرف قبل هذه الدراسة ، وعن طريق الترجمات - ان القرآن يذكر انواعا كثيرة من الظاهرات الطبيعية ، ولكن معرفتي وجيزة . وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعت أن أحقق قائمة ادركت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث . وبنفس الموضوعية قمتُ بنفس الفحص على العهد القديم والأناجيل : أما بالنسبة للعهد القديم فلم تكن هناك حاجة للذهاب الى ابعد من الكتاب الأول ، أي سِفر التكوين ، حيث وجدت مقولاتٍ لا يمكن التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم رسوخاً في عصرنا . وأما بالنسبة للأناجيل فما نكاد نفتح الصفحة الأولى منها حتى نجد أنفسنا دفعة واحدة في مواجهة مشكلة خطيرة ، ونعني بها شجرة انساب المسيح . ذلك أن نص إنجيل متّة يناقض بشكل جلي إنجيلَ لوقا . اذ أن هذا الاخير يقدم لنا صراحة أمراً لا يتفق مع المعارف الحديثة الخاصة بقدَم الانسان على الارض . غير ان وجود هذه الامور المتناقضة وتلك التي لا يحتلمها التصديق ، وتلك الآخرى التي لا تتفق والعلم - لا يبدو لي أنها تستطيع أن تضعِف الايمان بالله . ولا تقع المسؤلية فيها إلا على البشر . ولا يستطيع أحدا أن يقول كيف كانت النصوص الاصلية ، وما نصيب الخيال والهوى في عملية تحريرها ، او ما نصيب التحريف المقصود من قِبَل كتبةِ هذه النصوص ، او ما نصيب التعديلات غير الواعية التي ادخلت على الكتب المقدسة . ان ما يصدمنا حقاً في أيامنا هذه ان نرى المتخصصين في دراسة النصوص يتجاهلون ذلك التناقض والتعارض مع الحقائق العلمية الثابتة ، او نراهم يكشفون عن بعض نقاط الضعف ليحاولوا التستّر عليها ، مستعينين في ذلك ببهلوانات جدلية . وسنقدم في هذا الكتباب أمثلة لاستخدام وسائل التستّر على التناقض او على امر بعيد التصديق ، مما يسمونه " صعوبةً " استحياءً منهم ، وأنه كان ناجحا في كثير من الاحيان . وهذا ما يفسر لنا كيف ان كثيراً من المسيحيين ظلوا يجهلون نقاط الضعف الخطيرة في كثير من المقاطع في العهد القديم وفي الأناجيل وسيجد القارئ ، في الجزئين الأول والثاني من هذا الكتاب امثلة صحيحة في ذلك . اما الجزء الثالث فسيجد فيه القارئ أمثلة توضيحية لتطبيق العلم على دارسة أحد الكتب المقدسة ، وهو تطبيق لم يكن يتوقعه الانسان . كما سيجد القارئ في ذلك بياناً لما قد جاء به العلم الحديث الذي هو في متناول كل يد ، من اجل فهمٍ أكملَ لبعض الآيات القرآنية التي ظلت حتى الآن مستغلقة او غير مفهومة . ولا عجب في هذا إذا عرفنا أن الإسلام قد اعتبر دائما ان الدين والعلم توأمان متلازمان . فمنذ البدء كانت العناية بالعلم جزءاً لا يتجزأ من الواجبات التي أمر بها الإسلام . والواقع أن تطبيق هذا الأمر هو الذي أدى الى ذلك الازدهار العظيم للعلوم في عصر الحضارة الاسلامية . تلك الحضارة التي اقتات منها الغرب نفسه قبل عصر النهضة في أوروبا . ان التقدم الذي تمّ اليوم ، بفضل المعارف العلمية ، في شرح بعض ما لم يكن مفهوما ، أو بعض ما قد أسيء تفسيره حتى الآن ، من آيات القرآن - ليشكّل قمةَ المواجهة بين العلم والكتب المقدسة " . هذه مقتطفات مختصرة جداً من مقدمة هذا الكتاب الرائع الذي يقدّم لنا شهادة صادقة صادرة عن دراسة وبحثٍ بأمانة وحياد وشجاعة بدون تحيز ولا تعصب . { وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } . وبمثل هذا التنويع في عرض الدلائل الكونية ، نعرض آياتنا في القرآن منّوعة مفصّلة ، لنقيم الحجة بها على الجاحدين ، فلا يَجِدوا الا اختلاق الكذب ، فيتهموك بأنك تعلّمت من الناس لا من الله . قراءات : قرأ ابن كثير وابو عمرو " دارست " وابن عامر ويعقوب " درستْ " بصيغة الماضي . هكذا بين سبحانه لرسوله ان الناس في شأن القرآن فريقان : فريق فسدت فطرتهم ولم يبقَ لديهم استعداد لهدية ، ولا للعلم بما فيه من تصريف الآيات ، ومن ثم كان نَصيبهم منه الجحود والانكار . وفريق آخر اهتدى به وعمل بما فيه … من ثَم أمر رسوله ان يتبع ما أوحي اليه من ربه ، وان يُعرض عن المشركين ، ولا يشغل باله بتكذيبهم وعنادهم . { ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } . اتّبعْ أيها النبي ما جاءك به الوحي من الله ، هو المعبود الواحد الذي لا شريك له فالتزم طاعته ، ولا تبالِ بعناد المشركين وإصرارهم على الشرك . { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } . ولو شاء الله ان يُلزمهم الهدى لهداهم ، ولكنه تركهم لاختيارهم ، فلقد خلق تعالى النّاسَ بهذا الاستعداد للهدى والضلال ، { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } . ، وما جعلناك يا محمد رقيباً تحصي عليهم اعمالهم ، ولا أنت بمكلف أن تقوم عنهم بتدبير شئونهم وإصلاح أمرهم .