Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 12-16)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كتب على نفسه الرحمة : أوجب على نفسه ايجاب فضل وكرم . سكن : من السكون ، ضد الحركة ، الولي : الناصر ومتولي الأمر . فاطر السموات والارض : مبدعها على غير مثال . وهو يُطعم ولا يطعم : هو الرزاق ليغره ولا يرزقه احد . يصرف عنه : يبعد عنه . في الآيات السابقة ذكرَ اللهُ تعالى أصول الدين الثلاثة : التوحيد ، والبعث والجزاء ، ورسالة محمد ، ثم ذكر شبهات الكافرين الجاحدين وبيّن ما يدحضها ، ثم أرشد الى سننه تعالى في اقوام الرسل المكذّبين وعاقبتهم . وهنا يرد ذِكر هذه الاصول الثلاثة باسلوب آخر : اسلوب السؤال والجواب . ويسيرُ هذا الاسلوب في طريقين بارزين لانكاد نجدهما بهذه الكثرة في غير هذه السورة . فهي تورد الأدلةَ المتعلقة بتوحيد الله ، وتفرُّدِه بالمُلك والقدرة في صورة الشأن المسلَّم بالتقرير الذي لا يقبل الإِنكار او الجدل { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَفِي ٱلأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ } هذا الاسلوب . أما الأسلوب الثاني فهو أسلوب التلقين : تلقين الحجة والأمر بقذفها في وجه الخصم حتى تحيط به من جميع جوانبه فلا يستطيع التفلّت منها ، ولا يجد بُدّاً من الاستسلام لها . ففي حجج التوحيد والقدرة : { قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } الآية . { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } . { قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } . { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } وفي حجج الوحي وبيان مهمة الرسول ، وأن الرسالة لا تنافي البشرية ، وفي إيمان الرسول بدعوته ، واعتماده على الله ، وعدم اكتراثه بهم ، او انتظار الأجر منهم : { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً ؟ قُلِ ٱللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ } . { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ } إلى آيات كثيرة . وفي وعيدهم على التكذيب : { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } . { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلظَّالِمُونَ } . { قُلْ يَاقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ } . { قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ } . وفي الرد عليهم في التحليل والتحريم من دون الله وتفنيدِ شبهتهم في الشرك وآثاره ، وفي بيان ما حرم خاصة في الطعام ، وعامة في نظام الله : { قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ } . { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً . … } الآية . { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ ؟ } . { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } . هذان الاسلوبان قد تناوبا معظم ما تصمنته هذه السورة العظيمة ، والقرآن كله عظيم … ويدل الاسلوبان على انهما صدرا في موقف واحد ، وفي مقصد واحد ، ولخصم واحد بَلَغ من الشدة والعتو مبلغاً استدعى من الله تزويد الرسول بعدةٍ قوية تتضافر في جملة شديدة يقذف بها في معسكر الاعداء ، فتزلزل عمده ، وتهد من بنيانه ، فيخضع بالتسليم للحق . { قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ؟ } . قل ايها الرسول لقومك الجاحدين لرسالتك ، المعرضين عن عدوتك : من هو مالك السماوات والأرض ومن فيهن ؟ فان احجموا ولم يجيبوا ، فقل الجواب الذي لا جواب غيره : إن مالكها هو الله وحده لا شريك له . لقد أوجب على ذاته العلية الرحمة بخلقه ، فلا يعجل في عقوبتهم وانما يقبل توبتهم . ومن مقتضى هذه الرحمة ان يجمعكم الى يوم القيامة . { ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } . والذين ضّيعوا أنفسَهم ، وعرَّضوها للعذاب في هذا اليوم هم الذين لا يؤمنوا بالله ، ولم يصدقوا رسوله ، ولا بيوم الحساب . { وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } . فلله ما في السماوات والأرض ، وله كل ما فيهنّ من ساكن ومتحرك في كل مكان وزمان ، وهو السميع المحيط سمعه بكل شيء ، والعليم المحيط علمه بكل شيء . { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً ؟ … } الآية . قل أيها النبي ، أنا لا اتخذ غير الله إلهاً وناصرا ، وهو وحده منشئ السماوات والأرض على نظام لم يُسبق اليه . روى عن ابن عباس انه قال : ما عرفت معنى فاطر السماوات والارض ، حتى أتاني اعرابيان يختصمان في بئر ، فقال احدهما : أنا فطرتها ، اي ابتدعتها . وهو الرزاق لعباده طعامَهم ، ولي هو بحاجة الى من يرزقه ويطعمه . وقل لهم يا محمد : بعد ان استبانت لكم الأدلة على وجوب عبادة الله وحده ، فأنا أُبلّغكم أنني قد أمرني ربي ان اكون أول من أسلم اليه ، ونهاني عن ان اشرك معه غيره في العبادة . ذلك أني أخاف إن خالفتُ أمر ربي وعصيته ، عذابَ يوم يتجلى فيه الرب على عباده ويحاسبهم على اعمالهم ويجازيهم بما يستحقون . إنه يوم شديد عند ذلك ، فمن صرُف عنه العذاب ونجا من العقوبة ، فقد رحمه الله ، فدخل الجنة ، وفاز فوزا عظيما .