Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 62, Ayat: 9-11)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اذا نودي للصلاة : اذا أُذّن لها . فاسعَوا الى ذكر الله : فامشوا الى الصلاة . وذروا البيع : اتركوه . فاذا قضِيت الصلاة : أُدّيت وانتهت . فانتشِروا : تفرقوا في طلب الرزق والعمل . اللهو : كل ما يلهي عن ذكر الله . انفضّوا : انصرفوا . الحديثُ في هذه الآيات الكريمة عن صلاةِ الجمعة ، وهي ركعتان بعد خطبتين يلقيهما الإمام ، وهي فرضُ عَين ، وقد ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنّة والاجماع . وتجب صلاةُ الجمعة على المسلم الحرّ العاقلِ البالغ المقيمِ القادرِ على السعي إليها ، ولا تجب على المرأة والصبيّ ، والمريضِ والمسافر ، وكلِّ معذور مرخَّص له في ترك الجماعة ، كعذر المطر والوحل والبرد ونحو ذلك ، ولا تصحّ إلا جماعة . وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل يوم الجمعة ، وفضل الصلاة فيها ، والحثّ عليها والاستعداد لها بالغسل والثياب النظيفة والطِّيب . ويجوز للنساء والصبية ان يحضروا الجمعة ، فقد كانت النساء تحضر المسجدَ على عهد رسول الله وتصلّي معه . ومن صلى الجمعةَ سقطت عنه فريضة الظهر ، ومن أراد زيادة فليرجع الى كتب الفقه . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ } يا أيها الذين آمنوا : إذا أُذَّن للصلاة يوم الجمعة فاذهبوا الى المسجد لحضور الصلاة وذِكر الله ، واتركوا البيعَ وكلَّ عمل من الاعمال ، وامشوا الى الصلاة بسَكينة ووقار ، ولا تسرعوا في مشيكم . والأفضلُ ان يبكّر الانسان بالذهاب الى المسجد ، فاذا لم يستطع فليمشِ الهوينا . فقد روى البخاري ومسلم عن أبي قتادة قال : " بينما نحن نصلّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذ سمع جلبةَ رجالٍ ، فلما صلى قال : ما شأنكم ؟ قالوا : استعجلنا الى الصلاة . قال : فلا تفعلوا ، إذا أَتيتم فامشُوا وعليكم السَكينة ، فما أدركتم فصلّوا ، وما فاتكم فأتمّوا " . { ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } ذلك الذي أُمِرْتم به أنفعُ لكم ان كنتم من ذوي العلم الصحيح ، فصلاةُ الجمعة عبادة من العبادات الممتازة لأنها تنظم المسلمين وتعوّدهم على النظام ، وفيها الخطبة فيها موعظةٌ حسنة وتعليم للمسلمين بما ينفعهم في دينهم ودنياهم . روى الامام أحمد عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من اغتسلَ يوم الجمعة ، ومسَّ من طِيب أهله إن كان عنده ، ولبس أحسنَ ثيابه ، ثم خرج يأتي المسجد ، فيركع إن بدا له ، ولم يؤذِ أحدا ، ثم أنصتَ اذا خرج إمامُه حتى يصلي ، كانت كفارةً لما بينها وبين الجمعة الأخرى " . { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } . فاذا أديتم الصلاة فتفرقوا في الأرض لمتابعة أعمالكم ومصالحكم الدنيوية التي فيها معاشُكم ، واطلبوا من فضلِ الله ما تشاؤون من خَيري الدنيا والآخرة ، واذكُروا الله بقلوبكم وألسنتِكم كثيراً ، لعلّكم تفوزون بالفلاح في الدنيا والآخرة . هذا هو روح الاسلام : الجمعُ بين المحافظة على الجسم والروح معا ، وهذا هو التوازن الذي يتّسم به الدين الاسلامي ، كما جاء في قوله تعالى : { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } [ القصص : 77 ] . هل هناك أجملُ وأحلى من هذا الكلام ؟ . { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً } . روى الامام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال " بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة اذ قدمت عِير ( ابل محمَّلة طعاما وغير ذلك من الشام ) فابتدرها الناس حتى لم يبق في المسجد الا اثنا عشر رجلاً انا فيهم وأبو بكر وعمر ، فأنزل الله تعالى : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً } … " والذي قدِم بهذه التجارة دِحْيةُ الكلبي من الشام ، وكانت العادةُ إذا قدمت هذه العير يُضرب بالطبل ليؤذَنَ الناسُ بقدومها ، فيخرجوا ليبتاعوا منها ، فيخرج الناس . فصادف مجيءُ هذه العِير وقتَ صلاة الجمعة ، فترك عدد من المصلّين الصلاة وذهبوا اليها . فعاتبهم الله على ذلك وافهمهم ان الصلاة لها وقتٌ محترم ولا يجوز تركها . ثم رغّبهم في سماع العظات من الأئمة وان الله عنده ما هو خير من اللهو ومن التجارة ، فقال : { قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } فاطلبوا رزقه وتوكلوا عليه ، ولا يأخذ كل انسان الا ما كُتب له . والله كفيل بالأرزاق للجميع . وكان عراك بن مالك ، رضي الله عنه ، اذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال : اللهم إنّي أجبتُ دعوتك ، وصلّيت فريضتك ، وانتشرت كما أمرتَني ، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين . عراك هذا من التابعين من الفقهاء العلماء .