Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 78, Ayat: 1-16)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عم ، أصلها عن ما : عن أي شيء يتساءلون . النبَأ : الخبر ، نبأ الشيء نبْئاً ونبوءاً ارتفع ، وظهر . وعلى القومِ ، طلع عليهم . ونبأ الرجل نبئا : أخبر . والنبوءة : النبوَّة . والنبيءُ ، النبيّ المخبر عن الله عز وجل . كلا : للردع ونفي الزعم الباطل . مهادا : فراشا ممهدا للناس ، وقد جعل الله الأرض موطئا للناس وجميع المخلوقات يقيمون عليها ، فهي فراش لهم . أوتادا : جمع وتد ، والجبال كالأوتاد المغروزة في الارض تحفظ توازنها ، وتمنعها من الاضطراب والميلان . ازواجا : ذكرا وأنثى ليتم الائتناس والتعاون على هذه الحياة وحفظ النسل وتكميله بالتربية . سباتا : راحة ، سَبَتَ سَبْتا : نام واستراح وسكن . لباسا : سترا ، لباس الجسم ما يستره . والليل شبيه باللباس لأنه يستر الاشخاص بظلمته . معاشا : وقتا لتحصيل اسباب المعاش . سبعا شدادا : سماوات قوية محكَمة . سراجا وهاجا : وهذا السراج العظيم هو الشمس . المعصِرات : السحب التي تجيء بالمطر الذي يحيي الأرض ويغيث الناس . ثجّاجا : منصبّا بكثرة ، وهو المطر الغزير . حَبا : وهو ما يقتات به الناس من جميع انواع الحبوب . ونباتا : جميع انواع الخضار . جنات : واحدها جنة ، وهي الحدائق والبساتين ، الفافا : ملتفة الاغصان ، كثيرة الشجر . كان الناس في مكة وغيرها في أول بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يسأل بعضُهم بعضا عن رسالة النبي ، ويسألون غيرهم ممن عنده عِلم فيقولون : هل هو رسول من عند الله ؟ وما هذا الخبر الذي جاء به ويدعي أنه مرسَل من قِبل الله ، ويدعو الى توحيده والى الاعتقاد بالبعث واليوم الآخر ؟ وكان هذا شيئا جديدا عليهم ، فردّ الله عليهم بقوله تعالى : { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } عن أي شيء يتساءلون ؟ عن هذا الخبر العظيم الذي اختلفوا فيه ، بعضهم ينكره ، وبعضهم يتردد في صحته . إنهم لم يسمعوا به من قبل ، لذلك استغربوا خبرَ البعث والحياة بعد الموت . وقالوا : هذا مستحيل ، { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ } [ الجاثية : 24 ] . ثم ردّ الله عليهم الإنكارَ والترددَ بقوله : { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ، ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } ليس الأمرُ كما يزعم هؤلاء المنكِرون للبعث بعد الموت ، ستنكشِفُ لهم الحقيقةُ وسيعلمون حقيقةَ الأمرِ حين يُبعثون ويَرَون صحةَ الخبر ، يومَ تقومُ الساعة ويفصِل الله بينهم في كل ما اختلفوا فيه . ثم شرع يبيّن لهم عظيمَ قُدرته ، وآياتِ رحمته التي غَفَل عنها أولئك المنكِرون مع أنها أمامهم وبين أعينِهم في كل حِين . فذكر من مظاهرِ قدرته تسعةَ أمور يشاهِدونها فقال : { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَاداً } 1 - الم نبسُط لهم هذه الأرضَ التي يعيشون عليها ، ونمهّدْها لهم لِيسيرَ الناسُ عليها والحيوان ، ويستقروا بها . 2 - { وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } فالجبالُ جعلها الله مثلَ الأوتاد ، تحفظ توازنَ الأرض ، اذ يبلغ سُمكُ الجزء الصلب من القشرة الارضية نحو ستين كيلومتراً ، وتكثر فيه التجاعيد فيرتفع حيث تتكون الجبالُ ، وينخفض لتكونَ بطونُ البحار وقيعان المحيطات والأودية . وهو في حالة التوازن بسبب الضغوط الناتجة من الجبال … فقشرةُ الأرض اليابسة تُرسيها الجبال ، فهي كالأوتاد التي تحفظ الخيمةَ من السقوط . ولولا الجبالُ لكانت الارض دائمةَ الاضطراب بما في جوفها من المواد الشديدة الغليان ، الدائمة الجَيَشان ، والتي نشاهد بعضاً منها عندما تنفجر البراكين . 3 - { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } جعلناكم ذكراً وأنثى لحِفظ النسل ، وليتمَّ التعاون على سعادةِ هذه الحياة ، وتربية النسل . 4 - { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } وجعلنا النومَ راحةً لكم من عَناءِ الأعمال التي تزاولونها في النهار ، وانقطاعاً عن السعي . وفيه نعمةٌ كبيرة على الانسان ، ففيه يتوقف نشاط الجزء المدرِك الواعي من المخّ ، ويحصل هبوط كبير في نشاط كافة أعضاء الجسم وأنسجته مما يترتب عليه انخفاضٌ في توليد طاقة الجسم وحرارته . وهكذا يأخذ الجسم أثناءَ النوم نصيباً من الهدوء والراحة بعد عناء المجهودات العضلية والعصبية ، فتهبط جميع وظائف الجسم الحيويّة ، ما عدا عمليات الهضم وإفراز البول من الكليتين ، والعَرق من الجلد … أما التنفس فيبطئ ويصير أكثر عمقا ، كما ينخفض ضغطُ الدم ، وتبطئ سرعة النبض ، ويقل مقدار الدم الذي يدفعه من القلب . وكل هذا يسبّب الراحةَ للإنسان في مدة نومه ، ويحدّد نشاطه حين يفيق . 5 - { وَجَعَلْنَا ٱللَّيْلَ لِبَاساً } وجعلْنا الليلَ بظلامه ساتراً لكم ، كاللّباس الذي يغطي الجسمَ ويستُره ، اللّيل شبيه باللّباس لأنه يستر الأشخاصَ بظُلمته . وللناسِ في هذا السَّتر فوائدُ اللباس . 6 - { وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } وجعلنا النهارَ وقتَ سعيٍ لكم ، تسعون فيه لتحصيل ما به تعيشون وتتصرّفون . فكما كان النومُ انقطاعاً عن الحياة ، كانت اليقظةُ حياة . والنهارُ زمنُ هذه الحياة ، فيه يستيقظ الناس ويتقلبون في حوائجهم ومكاسبهم . 7 - { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } وأقمنا فوقكم سبعَ طرائق للكواكبِ السيّارة التي تشاهدونها … وقد خصّها بالذِكر لظُهورها ومعرفةِ العامة لها ، ولم يفصِّل ما في هذا الكونِ العجيب الواسع من عوالمَ ومجرّاتٍ لا حصرَ لها لأنهم لا خبرة لهم فيها ، ولا علم . فاكتفى بما يرون ويشاهدون من إحكام الصنعة ودقة نظام دورانها وسَبْحها في هذا الفضاء . 8 - { وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } وخلقنا لكم في نظامِكم هذا شمساً منيرةً ساطعة الوهج ، دائمة الحرارة . والشمسُ كما ثبت علمياً تبلغ درجةُ حرارتها على سطحها الوهج ، دائمة الحرارة . والشمسُ كما ثبت علمياً تبلغ درجةُ حرارتها على سطحها المشِعّ ستةَ آلاف درجة مطلقة ، اما المركز فتزيدُ فيه درجة الحرارة على ثلاثين مليون درجة ، بسبب الضغوطِ العالية في الموادّ التي فيه ، فهي سِراج وهّاجٌ حقيقةً لما فيها من الحرارة . 9 - { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً } وانزلنا من السُحب والغيوم ماءً دافقاً منهمِراً بشدة . ثم بيّن عظيم نفع الماء وجليل فائدته فقال : { لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً } لنخرِجَ لكم بهذا الماءِ العظيمِ حَبّاً ونباتا ، غذاءً لكم وللحيوان ، وحدائقَ وبساتينَ ذاتَ أشجارٍ ملتفة ، وأغصانٍ متشابكة . والمطرُ هو المصدر الوحيد للماءِ العذْب على الأرض . والأصل فيه تكاثُف أبخِرةِ الماء المتصاعدة من المحيطات والبحار وتشكُّله في صورة سحب ، تتحولُ الى نقط من الماء او قطع من الثلج ، وتتساقط على الأرض بقدرة الله تعالى على هيئة مطر او ثلج او بَرَد . قراءات قرأ الجمهور : كلا سيعلمون بالياء ، وقرأ ابن عامر : ستعلمون بالتاء .