Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 25-29)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هنا امرنا الله ان نتقي الفتن الاجتماعية التي لا تخص الظالمين ، بل تتعداهم الى غيرهم ، وتصل الى الصالح والطالح ، فقال : { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } . قال ابن عباس : امر الله المؤمنين ان لايُقرّوا المنكّر بين أظهُرهم فيعمّهم العذاب وفي صحيح مسلم " عن زينب بن جحش انها سألت رسول الله ، فقالت له : يا رسول الله أنِلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم ، اذا كثر الخبث " . فاتقوا ايها المؤمنون الفتن ، واضربوا على أيدي المجرمين ، فان الذنب العظيم مفسدٌ جماعتكم ولا يصيب الذين ظلموا وحدهم ، بل يصيب الجميع . والأفرادُ في نظر القرآن مسئولون عن خاصة انفسهم ، ومسئولون عن أمتهم ايضاً فإذا قصروا في أحد الجانبين او فيهما - عرّضوا انفسهم وأمتهم للدمار والهلاك . { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } للأمم والافراد اذا سكتوا عن الفحشاء والمنكَر فيهم ، ولم يتلافوا المفاسد التي تحصل بينهم . ثم يشفع الله هذا التحذير بتذكيرهم بنعمة الله عليهم حينما استجابوا وتضامنوا في المسؤولية والحرص على اعلاء كلمته ، وكيف نظر الله اليهم على قلتهم فكثّرهم ، والى ضعفِهم فقوّاهم وخوفهم فآمنهم ، فقال : { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ … } تذكّروا أيها المؤمنون ، وقت أن كنتم عدداً قليلا ، وضعفاء يستغلّ أعداؤكم ضعفكم ، وقد استولى عليكم الخوف من ان يتخطفكم اعداؤكم فيفتكوا بكم . يومئذٍ آواكم أيها المهاجرون إلى يثرب حيث تلقّاكم الأنصار ، وأيدكم وإياهم بنصره في غزواتكم ، ورزَقكُم الغنائم الطيبة رجاء ان تشكروا هذه النعم فتفسيروا في طريق الجهاد لإعلاء كلمة الله . ثم يأتي النداء الرابع ، وفيه ينبّههم الى ان مخالفة الله في اوامره - ومن أشدِّها إفشاء سر الأمة للاعداء - خيانةٌ لله ولرسوله وخيانة للأمة ، وحسب الخائنين سقوطا عند الله قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلخَائِنِينَ } [ الأنفال : 58 ] . يا ايها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول بموالاة الاعداء ، ولا تخونوا الامانات التي تكون بينكم ، فالخيانة من صفات المنافقين ، والأمانة من صفات المؤمنين . واكبر خيانة في الوقت الحاضر هي قعود المسلمين عن الجهاد في سبيل الله ، وتركُ المسجد الأقصى في يد أعداء اله اليهود . فالخيانة بكل معانيها صفة مذمومة . روى البخاري ومسلم عن ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : " آية المنافق ثلاث : اذا حدّث كذب ، واذا وعد أخلَف ، واذا ائتُمِن خان ، وان صام وصلى وزعم انه مسلم " { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } وانتم تعلمون مفاسد الخيانة وتحريم الله لها وسوء عاقبتها في الدنيا والآخرة . { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } يحذّر الله هنا من شهوة النفس في الحرص على المال والولد ، ذلك ان فتنة الاموال والاولاد عظيمة لا تخفى على ذوي الالباب ، فلا تغلِّبوا ايها المؤمنون محبة المال والولد على محبة الله تعالى . إن ذلك يفسِد أموركم . فيجب على المؤمن الصادق الإيمان ان يتقي الفتنة في المال بأن يكسبه من الحلال وينفقه في سبيل البر والاحسان ، ويتقي الفتنة في الأولاد بحسن تربيتهم وتعويدهم الفضائل وحسن الاخلاق . { وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } يجزيكم به عن المال والولد ، فعليكم ان تؤثروا ما عند ربكم . لمّا حذّر الله تعالى من الفتنة بالأموال والأولاد ، قفّى على ذلك بطلب التقوى التي هي اساس الخير كله ، وان التقوى شجرة مثمرة ، اعظم ثمارها الفرقان والنور الذي يبصرّنا بالحق والعدل والصلاح ، والذي به نهتدي ونسعد ، كما تُمحة سيئاتنا ، ويغفر الله لنا ذنوبنا ، وبه تفتح لنا ابواب السماء . وهذا هو النداء الخامس : { يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إَن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } ان تخضعوا لاوامر الله في السر والعلن ، يجعل الله تعالى في انفسكم قدرةً تفرّقون بها بين الحق والباطل ، وينصركم على أعدائكم ، ويغفر لكم جميع ذنوبكم ، فهو ذو الفضل العظيم عليكم وعلى جميع خلقه .