Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 36-40)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يركمُه : يجعل بعضه فوق بضه . لما اصيبت قريش يوم بدر ، ورجع فلُّهم إلى مكة ، ورجع أبو سفيان بقافلته - مشى رجال أصيب آباؤهم وأبناؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر ، فكلَّموا أبا سفيان ، ومن كانت له في تلك القافلة تجارة ، قالوا : يا معشر قريش ، إنَّ محمداً قد رزأكم ، وقتل خِياركم ، فأعينونا بهذا المال على حربه ، لعلنّا ندرك منه ثأراً بمن أُصيب منا . ففعلوا ، وجمعوا ما استطاعوا من المال ، وموّلوا به غزوة أحد فنزلت فيهم . إن هؤلاء الكفار الذي جحدوا آيات الله وأشركوا به ، ينفقون أموالهم ليمنعوا الناس عن الإيمان بالله واتّباع رسوله … انهم سينفقون هذه الأموال لتكون حسرة عليهم ، ولن تفيدهم شيئا ، وسيُغلَبون في ساحة القتال في الدنيا ثم يساقون يوم القيامة الى جهنّم وستكون تلك هي الحسرة الكبرى لهم . وليس ما حدَثَ قبل بدرٍ وبعدها إلا أنموذجاً من الأسلوب التقليدي لأعداء هذا الدين وقد استمرّ العداء منذ فجر الدعوة ولا يزال ، ومن الشرق والغرب ، فلم يتركوا وسيلة الا اتخذوها ليهاجموا الإسلام والمسلمين ، واللهُ سبحانه وتعالى حفظ هذا الدين ، وسيُبقيهِ عاليا الى أن يرِث الأرضَ ومن عليها . { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ } لقد كتب تعالى النصر لعبادة المتقين والخذلان والحسرة لمن يعاديهم من الكفار ، ليميز الكفرَ من الايمان ، والحق والعدل من الجور والطغيان ، وليجعل الخبيث بعضهَ فوق بعض ، ثم يجعل اصحابه في جهنم ، وهم الخاسرون في الدنيا والآخرة . قراءات : قرأ حمزة والكسائي : " لِيُمَيِّز " بالتشديد والباقون لِيَميزَ كما هو في المصحف . { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ } ان باب الرجاء مفتوح في الاسلام دائما ، والفرصة أمامهم سانحة لينتهوا عَمَّا هم فيه من الصدّ عن سبيل الله ، وليتوبوا ويرجعوا الى الله ، والله واسع المغفرة يغفر ما سبق من اعمالهم ، والاسلام يجُبُّ ما قبله . أما اذا عادوا بعد هذا البيان الى كفرهم ، فإن سنّة الله في الأولين قد مضت ، وهي ان يعذب المكذّبين ، ويهب اولياءه النصر والعزّ التزموا بأوامر الشرع . ويتجه الحديث الى المؤمنين : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } . استمِروا أيها المؤمنون في قتال المشركين حتى تزول الفتنةُ في الدين ، ويمتنعوا عن إفسادهم لعقائد المؤمنين بالاضطهاد والأذى ، فإن رجعوا عن الكفر وخلَصَ الدين لله ، فإن الله تعالى عليمٌ بأعمالهم ومُجازِيهم على ما فعلوا . { وَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } . وإن استمرّوا على إعراضهم وإيذائهم للمؤمنينَ بعدَ بيان الرسول فاثبتُوا لهم أيّها المسلمون ، واعلموا أنكم في وَلاية الله ، وهو ناصرُكم عليهم ، وحافظُكم منهم ، وهو خير الحافظين . وما غُلب المسلمون في هذه الأيام وذهَبَت أرضُهم إلا لأنهم تركوا الاهتداء بهدي دينهم ، وتركوا الاستعداد المادّي والحربيّ الذي طلبه بقوله : { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ } [ الأنفال : 60 ] وتفرَّقوا دولاً كثيرة فذهبتْ ريحُهم وقلّتْ هيبتُهم وغُلبوا على أمرهم . نسأل الله تعالى ان يوفقنا جميعا الى ما يحبّه ويرضاه ، ويجمع شتاتنا على الخير والهدى فنعود صفّاً واحدا ، ونعيد مقدّساتنا إلى حظيرة الإسلام ، إنه نعم المولى ونعم النصير .