Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 85, Ayat: 1-22)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
البروج : واحدها بُرج بضم الباء ، ومن معانيه : القصر العالي ، والحصن ، وبروجُ السماء الاثنا عشر ، وهي تضم منازلَ القمر الثمانية والعشرين ، وسيأتي تفصيلها . اليوم الموعود : يوم القيامة . شاهد ومشهود : جميع ما خلق الله في هذا العالم . الأخدود : الشق المستطيل في الأرض ، جمعُه أخاديد . وأصحاب الأخدود : قومٌ من الكافرين ، كان لهم قوة وسلطان . ما نقموا منهم : ما أنكروا عليهم ، وعابوهم . فتنوا المؤمنين : ابتلوهم ، وحرقوهم بالنار ، يقال : فتن المعدنَ : صهره في النار . عذاب الحريق : عذاب النار في جهنم . البطش : الأخذُ بالعنف والشدة . يُبدئ ويعيد : يبدأ الخلق ثم يفنيهم ، ثم يعيدهم أحياء . الودود : الذي يحب أولياءه وعباده الصالحين ، ودَّهُ يودّه ودّا بكسر الواو وفتحها وضمّها ووِدادا ، وودَادة ، ومودّةً : أحبّه . الودود : كثير الحب ، وهو ايضا اسم من أسماء الله الحسنى . ذو العرش : صاحب الملك والسلطان ، والقدرة النافذة . المجيد : السامي القدر ، المتناهي في الجود والكرم ، يقال : مجُد مجادة ، فهو مجيد . محيطٌ : بهم ، فهم في قبضته . محفوظ : مصون من التحريف والتغيير والتبديل . { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } أقسَم الله تعالى بالسماءِ البديعة وما فيها من نجوم لِينبِّهَنا الى ما فيها من دقة الصنع ، وبالغ الحكمة ، لِنعلمَ ان الذي خلَقها أجلُّ وأعظم . والبروج اثنا عشر وهي : الحمَل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسُنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والدَّلو ، والجَدي ، والحوت ، والقوس . وتحلُّ الشمس كل شهرٍ في واحد من هذه البروج ، وكلٌّ منها يضمُّ منزلَين وثلُثاً من منازل القمر ، وعددها ثمانية وعشرون منزلا ، ينزل القمر كل يوم في واحد منها ويستتر ليلتين يغيب فيهما . ومنازل القمر هي : الشرطان ، والبطين ، والثريا ، والدَّبَران ، والهَقْعَة ، والهَنْعة ، والذِراع ، والنثرة ، والطَرْف ، والجَبْهة ، والزّبرة ، والصرفة ، والعَوّاء ، والسِّماك الأعزل ، والغفر ، والزُّبانى ، والإكليل ، والقلب ، والشَّولة ، والنعائم ، والبلدة ، وسعدُ الذابح ، وسعد بَلَعَ ، وسعدُ سُعود ، وسعدُ الأخبية ، والفرغُ الأول ، والفرغُ الثاني ، وبطنُ الحوت . ونرى في السماء ستة بروج ، والستة الاخرى تكون في سماء نصفِ الأرض المغيَّبة عنّا . ونرى في المنازل اربعة عشر منزلا ، والبقية في النصف المغيّب عنّا . والبروج الاثنا عشر ، منها ستة في شمال خط الاستواء ، وستة اخرى في جنوبه . فاما التي في شماله فهي : الحمل ، والثور ، والجوزاء . وهذه الثلاثة تقطعها الشمس في ثلاثة اشهر هي فصل الربيع ، ثم السرطان ، والاسد ، والسنبلة ، وهذه هي فصل الصيف . والستة التي في جنوب خط الاستواء هي : الميزان ، والعقرب ، والقوس ، وفيها يكون فصل الخريف . ثم الجدي ، والدلو ، والحوت ، وفيها يكون فصل الشتاء . هكذا قسّم القدماء البروج والمنازل . ولقد اقسم الله تعالى بالسماء لما فيها من نجوم لا تُعدُّ ولا تحصى ، ومن جملتها هذه البروج ، لأننا نراها ونشاهدُها دائما ، ولما فيها من مصالح ومنافع للناس في هذه الحياة . وقد اهتم العربُ اهتماماً كبيرا بمعرفة هذه النجوم ، ومن قبلِهم اهتمت الأمم التي سبقتهم . وكانوا احوجَ الناس الى معرفتها ، ومواقع طلوعها وغروبها ، لأنهم يحتاجون اليها في السفَر برّاً وبحراً ، إذ يهتدون ليلاً بهذه الدراري اللامعة ، فلولاها لضلّت قوافلُهم وهلكت تجارتُهم ومواشيهم ، وهذا ما أشار الله تعالى اليه بقوله : { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } [ الأنعام : 97 ] . وقال : { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } [ الحجر : 16 ] . وقال : { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } [ يونس : 5 ] . ولذلك اهتم العرب بهذه السماء العجيبة ، وعرفوا عدة من الكواكب الثابتة وسمّوها بأسماء مخصوصة ، وذكروا في أشعارهم بعضها ، مثل الفَرْقَدَين والدَّبَران ، والعَيُّوق ، والثريا ، والسِّماكَين ، والشِّعْرَيَيْن ، وغيرهما مما ذكر في كتب الفلك والأدب والتفسير والتاريخ … وقد صور العلامة ابو الحسين عبد الرحمن بن عمر الصوفي جميع أسماء الكواكب المستعملة عند العرب في كتابه البديع : صور الكواكب الثمانية والاربعين ، والذي حوى نحو مئتين وخمسين كوكبا … فالقَسم بهذه السماء البديعة الصنع ، العجيبة التركيب ، وما فيها من نجوم ومجرات ، ومجموعات لا نعلم منها الا القليل القليل - قَسَمٌ عظيم ، والذي أقسَمَ أجَلُّ أعظمُ . { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } هو يوم القيامة الذي وعَدَ اللهُ أنه لا بدّ آتٍ للحساب والجزاء . { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } وبجميع ما خلق اللهُ في هذا الكون العجيب ، مما يشهده الناس ويرونه رأيَ العين . وبهذا يوجه الله تعالى انظارنا الى ما في هذا الكون الواسع الكبير من العظمة والفخامة والحكمة ، لنعتبر ونتعظ ، ونعلم أن الله الذي خلق هذا الكون هو الذي يستحق أن يعبد . { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } قاتلَ اللهُ أصحابَ الأخدود ولعنهم ، فهم الذين شقّوا في الأرض شقاً مستطيلا كالخندق ، وملأوه بالنيران ، وحرقوا بها المؤمنين بالله . ثم بيَّنَ من هُم أصحابُ الأخدود فقال : { ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ } إنهم أصحابُ النار المتأججة التي أوقدوا فيها الحطب الكثير ، فارتفع لهبها . ثم بيّن إجرامَهم وقسوةَ قلوبهم بقوله : { إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } قُتل هؤلاء المجرمون ولُعنوا حين أحرقوا المؤمنين بالنار ، وهم جلوسٌ حولَها ، يشهدون العذابَ ، ويتشَفَّون بإحراقهم . { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } وما كان للمؤمنين من ذنْبٍ عندهم ، ولا انتقموا منهم ، إلا لأنهم آمنوا بالله العزيزِ ، الغالبِ الذي لا يُضام مَنْ لاذَ به ، الحميدِ في جميع اقواله وافعاله . ثم بين الله تعالى انه مطلع على ما فعلوا بالمؤمنين ، وأوعدهم بانهم سيلاقون جزاء ما فعلوا فقال : { وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } إنه تعالى مطَّلع على اعمال عباده ، لا تخفى عليه خافية من شئونهم ، فهو عليم بما يكون من خلقه ومجازيهم عليه . وبعد أن ذكر قصةَ أصحابِ الأُخدود ، وما فعلوه من العذاب الكبير بالمؤمنين - شدَّد النكير على أولئك المجرمين الذي عذّبوهم ، بأنه أعدَّ لهم عذاباً أليما في نار جهنم ، وانه إن أمهَلَهم فإنه لا يُهمِلُهم ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ } . ان الذين امتحنوا المؤمنين والمؤمنات في دِينهم بالأذى والتعذيبِ بالنار ولم يتوبوا الى الله من ذلك الجرم الكبير ، بل ظلّوا مصرّين على كفرهم وعنادهم - لهم في الآخرة عذابُ جهنم وحريقُها كما أحرقوا المؤمنين . وقد اختلف المفسرون في حقيقة أصحاب الأخدود ، وأين كان موضعهم ومن هم ، وأوردوا أقوالا كثيرة لا فائدة منها فأضربنا عنها وتركناها … وبعد ان ذَكر اللهُ تعالى ما أعدّ لأولئك المجرمين من العذاب ، بين هنا ما يكون لأوليائه المؤمنين من النعيم المقيم ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ } . بهذا القول الكريم يتمثل رضى الله وإنعامُه على الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ ، حيث تكون خاتمتُهم في جناتِ النعيم التي تجري من تحتِ أشجارها الانهارُ ، وهذا هو الفوزُ الكبير ، جزاء صبرهم وإيمانهم وعملهم الصالح . ثم اخبر تعالى عن انتقامهِ الشديد من أعدائه وأعداء رسُله والمؤمنين فقال : { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } . ان انتقام الله من الجبابرة والظَلَمة ، وأخْذَه إياهم بالعقوبة ، بالغُ الغايةِ في الشدة ، والنهايةِ في الأذى ، فهو الخالقُ القادر الذي يبدأ الخَلْق من العدم ، ثم يعيدُهم أحياءً بعد الموت . فإذا كان قادراً على البدءِ والإعادة ، فهو قادرٌ على البطش بهم … لأنهم في قبضتِه وخاضعون لسلطانه . ثم ذكر سبحانه أنه يغفر دائماً ، وانه رحيمٌ لعباده ، كثيرُ المحبّة لمن اطاعه ، فبين في ذلك خمسةَ أوصافٍ من صفات الرحمةِ والجَلال فقال : 1 - { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ } وهو كثير المغفرة لمن يتوب ويرجع اليه ، فيا أيها الناس لا تقنَطوا من رحمة الله ، فإن رحمته وسِعت كلَّ شيء . 2 - { ٱلْوَدُودُ } المحبّ لأوليائه المخلِصين ، اللطيف المحسِن اليهم . وأي صفة أعظمُ من هذه الصفة ؟ 3 - { ذُو ٱلْعَرْشِ } صاحبُ الملك والعظمة ، والسلطان والقدرة النافذة ، والأمر الذي لا يُرَدّ . 4 - { ٱلْمَجِيدُ } العظيم الكرم والفضل ، العالي على جميع الخلائق ، المتصف بجميع صفات الجلال والكمال . 5 - { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، لا معقّب لحُكمه ولا رادَّ لقضائه . روي ان ابا بكر الصدّيق رضي الله عنه ، قيل له وهو في مرض الموت : هل نظرتَ الى طبيب ؟ فقال : نعم ، قالوا : فماذا قال لك ؟ قال : قال لي إني فعّال لما أريد . { هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكْذِيبٍ وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } . بعد ان ذكر قصّة اصحاب الأخدود وبيّن حالَهم ، وما فعلوا بالمؤمنين - ذكر هنا ان حال الكفار في كل عصر ، ومع كل نبيٍّ وشِيعته ، جارٍ على هذا المنهج ، فهم دائما يؤذون المؤمنين ويعادونهم ، ولم يرسِل اللهُ نبياً إلا واجَه من قومه مثلَ ما لقي هؤلاء من اقوامهم . والغرضُ من هذا كله تسليةُ النبيّ الكريم وصحبه ، وشدُّ عزائمهم على التذرع بالصبر . هل بلغك يا محمد ما صَدَرَ من تلك الجموع الطاغية من التمادي في الكفر والضلال وما حلّ بهم ؟ إنهم فرعونُ وقومه ، وثمود . والكفّار في كل عصر متشابهون ، فقومك أيها الرسول ليسوا ببدْع في الأمم ، فقد سبقهم أمم قبلهم وحلّ بهم النَّكال ، وكذلك سيكون مآل الجاحدين من قومك ، { فَٱصْبِرْ إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } [ هود : 49 ] . إنّ الكفّار في كل عصرٍ غارقون في شَهوة التكذيب ، فلا تجزَعْ . إنك لمن المنتصِرين . { وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ } لا يفلتون من قبضته ، ولا يُعجِزونه . ثم رد على تماديهم في تكذيب القرآن ، وادّعائهم أنه أساطيرُ الأولين فقال : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } إن ما جئتهم به يا محمد من قرآن عظيم ، وكذّبوا به - هو من عند الله واضحُ الدلالة على صِدقك ، وهو محفوظٌ من الزيادة والنقص ، والتحريف والتبديل . قراءات قرأ حمزة والكسائي : ذو العرش المجيدِ بكسر الدال ، وقرأ الباقون : المجيدُ بالرفع ، وقرأ نافع : في لوح محفوظٌ بالرفع ، والباقون : محفوظٍ بالجر .