Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 86, Ayat: 1-17)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

طَرَق طَرْقا وطروقا : أتاهم ليلا ، وطَرَقَ النجم طروقا : طلع ليلا . النجم الثاقب : النجم المضيء ، ثقب الكوكب : أضاءَ فهو ثاقب . حافظ : رقيب . ماء دافق : ماء مندفع بسرعة . الصلب : فقار الظهر ، منطقة العمود الفقري ، يقال : من صُلب فلان يعني من ذريته . الترائب : عظام الصدر . تُبلى : تختبر وتمتحن . السرائر : الضمائر ، وما يُسِره الانسان في نفسه . الرجع : إعادة الشيء الى ما كان عليه ، والمراد هنا المطر . الصدع : الشق ، الارض التي تنشق عن النبات . فصل : فاصلٌ بين الحق والباطل . يكيدون : يمكرون ، ويدبّرون المضرة خفية . وأكيدُ كيدا : الكيد من الله التدبيرُ بالحق لمجازاة اعمالهم . رويدا : قريبا . لقد أقسَم الله تعالى في مطلع هذه السورة بالسماء ونجومها اللامعة المضيئة ، انّ النفوسَ لم تُترك سُدى ، ولن تبقى مهمَلة ، بل تكفَّل بها مَنْ يحفظها ويحصي أعمالَها ، وهو اللهُ تعالى . وفي هذه تسليةٌ للرسول الكريم وأصحابِه ، ووعيدٌ للكافرين الجاحدين . { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } أُقسِم بالسماء وبالنجم الطالع ليلا . ولقد اقسَم الله تعالى بالسماء والشمس وبالقمر والليل ، لأن في أحوالِها وأشكالها وسَيْرِها ومطالِعها ومغاربها عجائبَ وأيَّ عجائب . ثم فسّر الطارقَ بقوله : { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } هذه النجوم المضيئة التي لا تحصى ولا نعلم من أكثرها شيئا ، { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } استفهام للتفخيم والتعظيم . ما الذي أعلمكَ يا محمد ما حقيقةُ هذه النجوم . ثم بين الذي حلف عليه فقال : { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } أي إن كلَّ نفس عليها رقيبٌ يحفظها ويدير شئونها في جميع أطوارها ، ويُحصي عليها أعمالها . لَمَّا ، هنا بمعنى إلاّ ، يعني أن كل نفس عليها حافظ . وفي قراءة من قرأها بالتخفيف انّ كل نفس لَما عليها حافظ ، يعني : ان كل نفس لَعَلَيْها حافظ ، وهما قراءتان سَبْعِيَّتان . وهذا المعنى كما قال تعالى : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [ الإنفطار : 10 - 12 ] . ثم امر الله تعالى الانسانَ أن ينظر ويتفكر في بدءِ خَلْقه ومنشئه ، وانه خُلق من ماءٍ دافق فيه ملايين الحُوينات التي لا تُرى بالعين المجردة ، فالذي خلقه على هذه الأوضاع قادرٌ على أن يُعيدَه إلى الحياة الأخرى . { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } فلينظر الانسانُ ويفكّر في مبدأ خلْقه . لقد خلقه الله من ماءٍ متدفق ، من مَنِيٍّ فيه ملايينُ المخلوقات التي لا تُرى بالعين المجردة ، { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } أيْ من الصُّلب وعظم الصدر من الرجل والمرأة ، فاذا دخَل المنيُّ رحِمَ المرأة وكانت مهيَّأةً للحمل التقى بالبيضة التي في الرحم ، وكوّنت معه جرثومة الجَنين . وقد بينت الدراسات الحديثة ان نواةَ الجهاز التناسلي والجهاز البولي في الجَنين تظهر بين الخلايا الغضروفية المكوِّنةِ لعظام العَمودِ الفَقري وبين الخلايا المكونةِ لعظام الصدر . وتبقَى الكُلى في مكانها وتنزل الخَصيةُ إلى مكانها الطبيعي في الصَفَنِ عند الولادة . كما ان العصب الذي ينقل الإحساسَ اليها ويساعدها على إنتاج الحيوانات المنوية وما يصاحب ذلك من سوائل - متفرعٌ من العصَب الصدريّ العاشر الذي يغادر النخاعَ الشوكيَّ بين الضِلعَين العاشر والحادي عشر . وواضح من ذلك ان الاعضاءَ التناسلية وما يغذّيها من أعصابٍ وأوعية تنشأ من موضع في الجسم بين الصُّلب والترائب ، " العمود الفقري والقفص الصدري " . وهذه الأمور الدقيقة لم يكتشِفها العِلم الا حديثاً بعد هذه القرون الطويلة . ومن هذه يتبين بوضوحٍ أن الانسانَ يُخْلَق وينشأ من ماءِ الرجل الدافق ، وأهمُّ ما فيه الحيوانُ المنوي ؛ وماء المرأة وأهم ما فيه البُوَيضة . ونشوؤهما وغذاؤهما وأعصابُهما كلُّها من بين الصلب والترائب . { إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } ان الله تعالى الذي قَدَّر خَلْق الإنسان ابتداءً من هذه الموادّ التي لا تُرى بالعين المجردة ، بتلك العملية الدقيقة - قادرٌ بكل سهولة على إعادة حياته مرةً أخرى بعدَ أن يموت . { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] . ثم بيَّن وقتَ الرجع ، ذلك اليوم العظيم فقال : { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } إنه يوم القيامة ، يوم يعيدُ الله الخَلْقَ فتنكشف السرائر ، وتتّضح الضمائر ، وتُمتحَن القلوبُ وتختبر . { فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ } فليس للإنسانِ في ذلك اليوم قُوّةٌ تدفع عنه العذابَ ولا ناصرٌ ينصره ويجيرُه ، فلا قوةَ له في نفسه ، ولا أحدَ ينصره ، الا ما قدّمه أمامه من عمل صالح . وبعد أن بين الله تعالى امر المبدأ والمعاد ، وانه قادر على اعادة الحياة ، ووجّه الانظار الى التدبر في برهان هذه القدرة - شرع يثبت صحةَ رسالة النبي الكريم الى الناس كافّة ، وصحةَ ما يأتيهم به من عند الله ، وهو القرآن الكريم ، ذلك الكتابُ الذي لا ريبَ فيه ، فأَقسم على صدق هذا الكتاب فقال : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } أُقسِم بالسماء ذاتِ المطر ( وهو أنفعُ شيء ينتظره الخلْق ، الذي يرجع حينا بعد حين ، ولولاه لهلَك الناسُ ، وهلَك الخلق ، هذا الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي … ) كما أُقْسِم بالأرض التي تتصدّع وتنشق ، فيخرج منها النباتُ والأشجار والزهر وكل ما يفيد الناس ويقيتهم - إن ما جاء به محمد { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ } أيْ إن هذا القرآن لهو قولٌ فاصل بين الحق والباطل ، قد بلغ الغايةَ في بيانه وتشريعِه وإعجازه ، وهو جِدٌّ ليس فيه شيء من الهزل والعبث ، لأنه كلامُ أحكَمِ الحاكمين . ثم بين ما يدبره الكافرون للمؤمنين ، وما تحويه صدورُهم من غلٍّ ومكرٍ فقال : { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً } ويمكرون بالمؤمنين ، ويحاولون صَرْفَ الناس عن الدِّين القويم ، كما جاء في قوله تعالى : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } [ الأنفال : 30 ] . ثم ذَكَرَ ما قابلَهم ربُّهم به ، وما جازاهم عليه ، وطلبَ من رسوله الكريم ان يتأنّى عليهم ليرى أخْذَه لهم فقال : { وَأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } . ان هؤلاء المشركين يعملون المكايد لإطفاء نور الله ، وصدِّ الناس عن شريعته ، وأنا أُجازيهم على كيدهم بالإمهال ثم النَّكال ، حيث آخذُهم أخذَ عزيزٍ مقتدر … لكن بعد أن أمهلهم قليلاً . وقد صدق وعده ، ووعدُه الحق . قراءات قرأ عاصم وحمزة وابن عامر : ان كل نفسٍ لمّا عليها حافظ ، بتشديد لمّا ، وهي بمعنى إلاّ . وقرأ الباقون : لما بغير تشديد وهي بمعنى اللام : لَعليها حافظ .