Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 88, Ayat: 1-26)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الغاشية : القيامة . خاشعة : ذليلة . عاملة ، تعمل في الدنيا لنفسها واولادها واطماعها . ناصبة : تعبة . والفعل نصِب ينصَب نصبا : تعب . من عينِ آنية : من نبع ماؤه شديد الحرارة . أنى يأنى سخن وبلغ الشِّدةَ في الحرارة . الضريع : نوع من النبات له شوك تأكله الإبل عندما يكون رطبا ، فاذا يبس لا يستساغ . ناعمة : مرفهة نضرة . لسعيها راضية : جزاءً لعملها الذي عملته في الدنيا راضية مطمئنة . عالية : مرتفعة مكاناً وقدرا . لا تسمع فيها لاغية : لا تسمع فيها كلاما فاحشا يؤذي السامع . فيها عين جارية : ماء متدفق يسر الناظرين . سرر مرفوعة : جمع سرير واذا كان مرفوعا فانه يكون نظيفا مريحا . واكواب موضوعة : معدَّة ومهيأة للشراب . ونمارق مصفوفة : وسائد صُف بعضها الى جانب بعض ، المفرد نمرقة . وزرابي مبثوثة : وبسُط وفرش مفروشة هنا وهناك للزينة والراحة . الإبل : جمع لا واحد له من لفظه مفردها : بعير . سُطحت : مدت ومهدت للحياة والسير والعمل للناس . لستَ عليهم بمسيطر : انما انت واعظٌ ومنذر لا متسلط تجبرهم على ما تريد . إيابهم : رجوعهم . { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } هل جاءكَ يا محمد خبر نبأ يوم القيامة التي تغشى الناسَ وتغمرهم بأهوالها ؟ والخطابُ وان كان لرسول الله فهو عام لكل من يسمع … بعد هذا الاستفهام فصَّلَ شأنَ اهل الموقف في ذلك اليوم . وبيَّن أنهم فريقان : فريق الكفرة الفجرة ، وفريق المؤمنين البررة فقال : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } في ذلك اليوم تظهر وجوه ذليلة خاضعة مهينة ، عملَ أصحابها في الدنيا كثيرا وتعبوا كثيرا ، ولكنْ لغير الله ، فما نفعتهم اعمالهم ولا أموالهم . { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } مع هذا الذل والهوان يدخلُ أصحابُ هذه الوجوه النارَ الحامية في جهنم . واذا عطِشوا يَسقونهم ماءً حارا من عين حرارتُها بالغة الشدّة ، واذا طلبوا الطعامَ يقدَّم لهم طعام خبيث رديء ، اسمه الضَريع ، ليس فيه فائدةُ الطعام المعروف ، لأنه { لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } . فهذه الصورةُ البشعة من العذاب تصوّر في اذهاننا هولَ ذلك اليوم حتى نرعويَ ونبتعدَ عن كل ما يُغضب الله من أعمال واقوال ، ونسلكَ الطريق المستقيم . وبعد ان بين حالَ المجرمين وما يلاقون من ذلّ وهَوان وعذاب ، وصف المؤمنين الصادقين بأحسن الأوصاف فقال : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ … } أما وجوه المؤمنين الصادقين يومئذ فتكون نضرة مبتهجة كما جاء في قوله تعالى : { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } [ المطففين : 24 ] { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } [ القيامة : 22 ] . وقد فرحتْ هذه الوجوه بما لاقت من جزاء عملها في الدنيا ، فهي لسعْيِها راضية ، في جنةٍ مرتفعة مكاناً وقدرا . وهي بعيدة عن اللغو ، فهي في منازِل أهل الشرف في سعادة وكرامة في ضيافة رب العالمين . في هذه الجنة ماء جارٍ من نبع صافٍ يسر الناظرين ، وفيها السرر المهيّأة لهم مرفوعة نظيفة ، واكوابٌ مجهزة مهيّأة لهم كلما أرادوا الشربَ وجدوها في متناول ايديهم . { وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } وأنواعُ البسُط والطنافس والسجاجيد مبسوطة في كل مكان . كل هذا النعيم أُعدّ لمن عمل صالحاً من المؤمنين ، فاعتبِروا يا أولي الألباب . فهل آن لهؤلاء الذين يزعمون انهم يؤمنون بالله أن يعتبروا بهذا الترتيب الإلهي ، وان يقدّموا الاحسان في العمل حتى يبلغوا فيه غايةً مرضيّة ، وان يبتعدوا عن اللهو والترف ويتحلّوا بالفضائل ، ويتدبروا كتابَهم ويرجعوا الى سيرة الرسول الكريم وصحبه الطاهرين فينهضوا الى طلبِ ما أَعدّ الله لهم ، ويشاركوا في بناء هذا المجتمع ويستردّوا ما اغتُصِب من أراضيهم ! ! وبعد أن بين الله تعالى احوال الآخرة وما فيها من نعيمٍ للمؤمنين وشقاءٍ للجاحدين يذكّر الناسَ هنا لينظروا في هذا الوجود الظاهر ، ويعتبروا بقدرة القادر وتدبير المدبّر فقال : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَىٰ ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } . ان هذه المشاهد معروضة لنظر الانسان حيثما كان : الحيوان والسماء والأرض والجبال . وأيّاً ما كان حظ الانسان من العلم والحضارة فهذه مشاهد داخلة في عالَمه وإدراكه . ويذكّرنا الله تعالى بأن ننظر ونعتبرَ بهذه القدرة الخارقة والتدبير المحكَم . فالجمل حيوانٌ عجيب ونفعه كبير جدا ، عليه يسافر الانسان ويحمل أثقاله . ومن لبنِ الناقة يشرب ، ويأكل من لحومها ، ومن أوبار الإبل وجلودها يلبس ويتّخذ المأوى . فقد كانت الجِمالُ ولا تزال في كثيرٍ من بقاع الأرض موردَ الحياة الأول للانسان ومن احسن المواصلات ، حتى سُميت سفنَ الصحراء . وهي قليلة التكاليف وعلى قوّتها وضخامتها يقودُها الصغير فتنقاد . ولهيئتها مزية وفي تكوينها عَجَب . فعينا الجمل ترتفعان فوق رأسه ، وترتدّان الى الخلف . ولهما طبقتان من الأهداب تقيانهما الرمالَ والقذَى . وكذلك المِنخَران والأُذنان يكتنفها الشعر للغرضِ نفسِه . فاذا ما هبّت العواصف الرملية ، انقفل المِنخران وانثنت الأُذنان نحو الجسم . والإِبلُ أصبرُ الحيوان على الجوع والعطش والكدح ، ومزاياها كثيرة لا يتسع المقام لبسْطِها . وما زال العلماء يجدون في الجمل كلّما بحثوا مصداقاً لِحَضِّ الله تعالى لهم على النظر في خَلْقه المعجز . { وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ } وتوجيه القلب الى السماء يتكرر في القرآن لما فيها من بهجةٍ وجَمال بهذه الملايين من النجوم المنثورة فيها ، وما في خَلْقها من عظمة تدل على عظمة الخالق وجلاله . { وَإِلَىٰ ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ } ألا يشاهدون هذه الجبال الشامخة كيف نُصبت على الأرض لحفظِ توازنها فلا تميلُ ولا تميدُ ، فهي عَلَمٌ للسائر ، وملجأ من الجائر ، ونزهة للناظر . { وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } ألا ينظرون الى الأرض التي يتقلبون عليها كيف مهّدها الله لهم ، فأينَ ما سافر الانسانُ يجدها مبسوطة سهلة مع أنها كروية الشكل . والله تعالى يوجه انظارنا الى ما حولنا من مخلوقات وما نرى في هذه الطبيعة الجميلة حتى نتّعظ ونؤمنَ بقدرة مَن خلق هذا الكون العجيب ، وما فيه من الكائنات ، وقُدرته على حِفظها وإحكام صنعها ، كي ندرك انه قادر على ان يُرجِع الخلق الى يومٍ يوفَّى فيه كل عامل جزاء عمله . بعد أن بين الله للناس أمر الآخرة وما فيها من نعيم وشقاء ، ونبّه الى مشاهد الكون المعروضة أمام الأنظار - وجّه الخطابَ الى الرسول عليه الصلاة والسلام ليقومَ بواجبه وطبيعةِ رسالته ، بقوله الكريم : { فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلْعَذَابَ ٱلأَكْبَرَ } . ذكّر الناسَ أيها الرسول بالآخرة وما فيها ، وبالكون المعروض أمامهم وما فيه من عجائب ، فإن مهمّتك التبليغُ ودعوةُ الناس الى ما فيه خيرهم ولستَ عليهم بمتسلّط . وحسابُهم على الله ، لكنّ من أعرضَ منهم وكفر فأنت لا تملك من أمر قلوبهم شيئا ، وأمرُهم الى الله يعذّبهم العذابَ الذي لا عذاب فوقه . ثم ختم هذه السورةَ الكريمة بآيتين قصيرتين جليلتين أكد فيهما رجوعَ الناس إليه وحسابَهم الدقيق في ذلك اليوم فقال : { إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } إنهم راجعون الينا ، وسنحاسبُهم على ما كَسَبتْ أيديهم في سجلٍّ لا يغادِر صغيرةً ولا كبيرة الا أحصاها . قراءات : قرأ أهل البصرة غير سهل : تُصلى بضم التاء . و الباقون تَصلى بفتحها . وقرأ أهل البصرة غير سهل : لا يُسمع فيها لاغية بضم الياء ورفع لاغية . والباقون : لا تسمع بفتح التاء ونصب لاغية . وقرأ نافع : لا تسمع فيها لاغية بالتاء المضمومة ورفع لاغية .