Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 90, Ayat: 1-20)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
البلد : مكة المكرمة . حِل : مقيم فيه . ووالدٍ وما ولد : كل والد ومولود من الانسان والحيوان والنبات . في كبَد : في مشقة وتعب . أهلكتُ مالاً لبدا : انفقت مالاً كثيرا . النَّجدَين : طريقَي الخير والشر ، والنجد : المرتفع من الأرض . اقتحم العقبة : دخل بشدة في الطريق الصعب . فكُّ رقبة : عتق العبيد . في يوم ذي مسغبة : في يوم فيه جوع ، سَغِبَ الرجلُ يسغب : جاع . يتيماً ذا مقربة : من أهل قرابته . أو مسكينا ذا متربة : فقيرا جدا . تواصَوا بالصبر : نصح الناس بعضهم بعضا بالصبر . الميمنة : طريق النجاة والسعادة . المشأمة : طريق الشقاء . مؤصَدة : مغلقة مطبقة عليهم . أصَدَ البابَ أصدا : أغلقه . وآصده إيصادا . وأوصده . { لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } أقسم قسماً مؤكدا بمكة ، التي شرّفها الله فجعلَها حَرماً آمنا ، وأنت يا محمدُ ساكنٌ ومقيم بمكّة تزيدها شَرفا وقدْرا . { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } وأقسَم بكل والدٍ ومولودٍ من الانسان وغيره ، لأن بهما حِفظَ النوع وبقاءَ العمران . وقد اقسم الله تعالى بوالدٍ وما ولد ليوجّه أنظارنا الى رفعة هذا الطور من أطوار الوجود . وهو طورُ التوالد ، والى ما فيه من بالغِ الحكمة واتقان الصنع ، وإلى ما يعانيه الوالدُ والمولود في ابتداء النشء ، وتكميلِ الناشئ وإبلاغِه حدَّ النمو المقدَّر له . { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } لقد خلقنا الانسان في مشقةٍ وتعب منذُ نشأتِه الى منتهى أمره . فهو في مكابَدة وجَهدٍ وكَدْح ، يقاسي من ضروب هذا التعبِ منذ نشأته في بطن أمّه إلى أن يصير رجلا . وكلّما كَبِرَ ازدادت متاعبُه ومطالبه ، فهو في كَبَدٍ دائم ، ولا تنتهي حاجاتُه الا بانتهاء أجله ووفاته . وبعد تقريرِ هذه الحقيقة عن طبيعة الحياة الإنسانية شَرَعَ يبين لهذا الانسانِ المغرور المبذِّر أنّ الله تعالى يراه في جميع أحوالِه ، وأنه أنعَم عليه بنعمٍ لا تقدَّر فقال : { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } أيظن هذا الانسانُ المخلوق في مشقة وتعبٍ ان لن يقدِر على إخضاعِه أحد ! يقول هذا المغرور بكثرة ماله : لقد أنفقتُ أموالاً كثيرة في سبيل الشهوات والشيطان . أيظنُّ هذا المفتون بالشُّهرة والظهور أن الله غافلٌ عنه ! وأن امره قد خفيَ فلم يطَّلع عليه أحد ؟ ! كلاّ ان الله تعالى مطّلعُ على أعماله وسيسأله عنها يوم القيامة ويحاسِبه حساباً عسيرا . ثم ذكّره اللهُ تعالى بما أنعم عليه من نعمٍ لا تُحصى في خاصة نفسه وفي صَميم تكوينه واستعداده ، ولكنه لم يشكر هذه النعم ولم يقُم بحقّها . { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ } ألم نخلق له عينين ينظُر بهما دلائلَ قدرة الله في هذا الكون ، ولساناً وشفتين ليتمكّنَ من النطق والإفصاح عما في نفسه ! ؟ فالكلمةُ أحيانا تقوم مقام السيف والمدفع واكثر . … وفي الحديث الصحيح عن معاذ بنِ جبلٍ رضي الله عنه قال " قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركَ برأس هذا الأمرِ وعمودِه وذِروة سنامه ؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : رأسُ الأمر الاسلام ، وعمودُه الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد . ثم قال : أَلا أُخبرك بمَلاكِ ذلك كلّه ؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : كفَّ عليك هذا ، وأشار الى لسانه . قلت : يا نبيّ الله وإنا لمؤاخَذون بما نتكلم به ؟ قال : ثكلَتْكَ أمك : وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم الا حصائدُ ألسِنتهم ؟ " رواه الامام احمد والترمذي والنسائي وابن ماجه . { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } بيّنا له طريقَ الخير والشر ليختارَ أيهما شاء ، ففي طبيعته هذا الاستعدادُ المزدوج لسلوك أيّ النجدين … { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } . هلاّ أنفقَ مالَه في سبيل الله حتى يجتازَ العقبة الصعبة ، وما أدراك ما هو اقتحامُ العقبة ؟ هو انفاقُ المال في تحريرِ الأرقاء ، واطعامُ الطعام في أيام المجاعة - وأَولى الناس بالمواساة هم الايتام من الاقارب - وإطعامُ المساكين الذين عجزوا عن الكسْب حتى كأنهم لصقوا بالتراب من العجز والفقر . { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } . ثم ان هؤلاء الذين يقتحمون العقبة بإنفاق أموالهم في وجوه البرّ والإحسان يكونون من المؤمنين الذين يعملون الخير ، ويوصي بعضُهم بعضاً بالصبر والرحمة … يرحمون عبادَ الله ويواسُونهم ويساعدونهم . { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } فهؤلاء هم أصحابُ اليمين ، مآلهم الجنة في مقعدِ صِدقٍ عند مليك مقتدِر . أما الذين جحدوا واغتَرّوا باموالهم وأنفسِهم وكفروا بالرسالة فمآلهم كما يقول : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةُ } أما الكافرون الجاحدون فهم أصحابُ الشِّمال ، وهم في نار جهنم في سَمومٍ وحميم ، عليهم نارُ جهنم مغلَقة مطبَقَة خالدين فيها أبدا . قراءات : قرأ ابن كثير وابو عمرو والكسائي : فكَّ رقبةً ، أو أطعمَ والباقون : فَكُّ رقبةٍ أو اطعامٌ بالتنوين . وقرأ ابو عمرو وحمزة وحفص : مؤصدة بالهمزة ، والباقون موصدة بدون همزة .