Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 96, Ayat: 1-19)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

العلق : الدم الجامد . الرُّجعى : الرجوع ، المرجع ، المصير . أرأيتَ : أخبِرني . لَنسفعاً بالناصية : لنأخذنّ بشعر جبهته ، والناصية مقدّم الرأس ، وشعرُ مقدم الرأس . النادي : المكان الذي يجتمع فيه القوم . الزبانية : أصل الكلمة الشُّرط ، وسُمي بها بعضُ الملائكة لدفعِهم أهلَ النار اليها مفردها زبنىّ . والزّبْنُ : الدفع والضرب . { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ … } الخطابُ موجَّه الى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وفيه دعوة الى القراءة والكتابة والعلم … وهذا هو شِعارُ الاسلام . اقرأ يا محمد ما يوحَى إليك مستعيناً باسمِ ربك الذي خلَق هذا الكونَ العجيب وما فيه … خلق الانسانَ الكامل الجسم والعلمِ على أحسنِ مثالٍ ، ومن عَلَقَةٍ ليست اكثر من دمٍ جامد ، ثم كرّمه بأن رفع قدر هذا العلق فجعل منه الانسانَ الذي يعلَم فيتعلم . ثم كرر الأمر بالقراءة لخُطورتها وأنها لا تُعلم الا بالتكرار فقال : { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } وربُّك اكرمُ لكلِّ من يَرتجي منه العونَ والعطاء . فهو الذي علَّم الخط والكتابة بالقلم ، وعلَّم البشَرَ ما لم يكونوا يعرفونه من العِلم والمعرفة ، وبذلك نَقَلَهم من ظلمة الجهل الى نور العلم والإيمان . ان هذه الآياتِ الباهرةَ التي ابتدأ الله تعالى بها كتابَه العظيم لهي أكبرُ دليل على احتفال الإسلام بالعِلم بجميع أنواعه . وقد أخذ بها سلفُنا الصالح ، وأمتُنا المهتدون ، ونشروا العلم في أرجاء العالم . ونحنُ الآن مدعوون للأخذ بالعلم الصحيح ، وتمزيقِ تلك الحجُب التي حجبت عن ابصارنا نورَ العلم ، والسيرِ على هدى كتاب الله وسنة رسوله ، والجِدِّ في تحصيل العلم حتى نلحقَ بالركب ونشارك في بناء هذه الحضارة مشاركة فعالة . فلا نبقى ، كما نحنُ الآن ، تابعين خاملين . بعد أن بيّن لنا الله تعالى طريقَ الهدى والخير أخبر عن سبب بطَرِ الانسان وطغيانه فقال : { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } . حقاً إن الانسان لَيتجاوز الحد في الطغيان ، ويستكبر ويتجبرُ ، عندما يرى نفسه غنياً ذا ثروة طائلة ومالٍ كثير . وليست الثروة مذمومةً في كل حال ، فإنْ كان الانسان مؤمناً تقيا وآتاه الله مالاً كثيرا وقام بحقّه - فإن ذلك خيْرٌ وأبقى ، يعمُّ نفعُه ويرضى الله عنه ورسوله . ثم حذّر من الطغيان . وتوعّد أولئك الأشرارَ اصحابَ الاموال الذين يتكبرون ويتجبرون فقال : { إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } ان المرجعَ والمصير الى الله وحده ، فهو مالكُ الأمور ، والمتصرف في هذا الكون . وبعد ذلك ضَرب الله لنا مثلا من أمثلة الطغيان ، وذكَره على طريقة الاستغراب والتعجيب . ثم أعقبَ ذِكره بالوعيد والتهديد فقال : { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } أأبصرتَ يا محمد هذا الطاغي الذي ينهى الناس عن الصلاة ، ويحُول دون عبادة الله ! { أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ } أخبِرْني عن حاله ان كان ذلك الطاغي على الهُدى أو أمر بالتقوى فكان نهيُه عن الصلاة ! أفما كان ذلك خيراً له وأفضل ؟ ؟ { أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } اخبرني عن حال هذا الطاغي إن كذّب بما جاء به الرسول ، وأعرضَ عن الايمان . . أفلا يخشَى ان تحلَّ به قارعة ، ويصيبه عذابٌ شديد ! ؟ أَجَهِلَ أن الله يطّلع على أحواله فيجازيه بها ؟ وفي هذا تهديدٌ كبير للعصاة والجاحدين المتكبرين … { كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } لِيرتدعْ هذا الطاغي المتجبر عن غَيِّه وضلاله ، فإني أُقسِم لئن لم يكفّ عن هذا الطغيان وعن نهي المصلين عن صلاتهم ، لنأخذنَّه بناصيته ونجرَّه الى النار . { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } فلْيجمعَ أمثالَه من أهلِ ناديه ليمنعَ المصلّين ويؤذيهم . سندعو جنودنا زبانيةَ جهنم لينصُروا محمداً ومن معه من المؤمنين . { كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب } لِيرتدعْ هذا الفاجر ، فلا تطعْه يا محمد فيما ينهاك عنه ، بل داومْ على صلاتك وواظبْ على سجودك ، وتقرّب بذلك الى ربك . وهنا عند قوله تعالى { وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب } موضعُ سجدةٍ عند غيرِ الإمام مالك .