Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 17-17)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى لا أحد أظلم ولا أعتى ولا أشد إِجراماً { مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } وتقول على الله ، وزعم أن الله أرسله ، ولم يكن كذلك ، فليس أحد أكبر جرماً ولا أعظم ظلماً من هذا ، ومثل هذا لا يخفى أمره على الأغبياء ، فكيف يشتبه حال هذا بالأنبياء ، فإن من قال هذه المقالة صادقاً أو كاذباً ، فلا بد أن الله ينصب عليه من الأدلة على بره أو فجوره ما هو أظهر من الشمس ، فإن الفرق بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين مسيلمة الكذاب لمن شاهدهما أظهر من الفرق بين وقت الضحى وبين نصف الليل في حندس الظلماء ، فمن شيم كل منهما وأفعاله وكلامه يستدل من له بصيرة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم وكذب مسيلمة الكذاب وسَجاح والأسود العَنْسي . قال عبد الله بن سلام لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، انجفل الناس ، فكنت فيمن انجـفل ، فلما رأيته ، عرفت أن وجهه ليس بوجه رجل كذاب ، قال فكان أول ما سمعته يقول " يا أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام " ولما قدم وفد ضمام بن ثعلبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه بني سعد بن بكر ، قال لرسول الله فيما قال له من رفع هذه السماء ؟ قال " الله " قال ومن نصب هذه الجبال ؟ قال " الله " قال ومن سطح هذه الأرض ؟ قال " الله " قال فبالذي رفع السماء ، ونصب هذه الجبال ، وسطح هذه الأرض ، آلله أرسلك إلى الناس كلهم ؟ قال " اللهم نعم " ثم سأله عن الصلاة والزكاة والحج والصيام ، ويحلف عند كل واحدة هذه اليمين ، ويحلف له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له صدقت ، والذي بعثك بالحق لا أزيد على ذلك ولا أنقص ، فاكتفى هذا الرجل بمجرد هذا ، وقد أيقن بصدقه صلوات الله وسلامه عليه بما رأى وشاهد من الدلائل الدالة عليه . وقال حسان بن ثابت @ لَوْ لَمْ تَكُنْ فيه آياتٌ مُبَيِّنَةٌ كانَتْ بَديهَتُهُ تأتيكَ بالخَبَرِ @@ وأما مسيلمة ، فمن شاهده من ذوي البصائر ، علم أمره لا محالة بأقواله الركيكة التي ليست فصيحة ، وأفعاله غير الحسنة بل القبيحة ، وقرآنه الذي يخلد به في النار يوم الحسرة والفضيحة ، وكم من فرق بين قوله تعالى { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } البقرة 255 إِلى آخرها . وبين قول مسيلمة قبحه الله ولعنه يا ضفدع بنت ضفدعين ، نقي كم تنقين ، لا الماء تكدرين ، ولا الشارب تمنعين . وقوله قبحه الله لقد أنعم الله على الحبلى ، إِذ أخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق وحشى . وقوله خلده الله في نار جهنم ، وقد فعل الفيل وما أدراك ما الفيل ، له خرطوم طويل ، وقوله أبعده الله عن رحمته والعاجنات عجناً ، والخابزات خبزاً ، واللاقمات لقماً ، إِهالة وسمناً ، إِن قريشاً قوم يعتدون ، إلى غير ذلك من الخرافات والهذيانات التي يأنف الصبيان أن يلفظوا بها إلا على وجه السخرية والاستهزاء ، ولهذا أرغم الله أنفَه ، وشرب يوم حديقة الموت حتفَه ، ومزق شملَه . ولعنه صحبُه وأهلُه . وقدموا على الصديق تائبين ، وجاؤوا في دين الله راغبين ، فسألهم الصديق خليفة الرسول صلوات الله وسلامه عليه ورضي عنه أن يقرؤوا عليه شيئاً من قرآن مسيلمة لعنه الله ، فسألوه أن يعفيهم من ذلك ، فأبى عليهم إلا أن يقرؤوا شيئاً منه ليسمعه من لم يسمعه من الناس ، فيعرفوا فضل ما هم عليه من الهدى والعلم ، فقرؤوا عليه من هذا الذي ذكرناه وأشباهه ، فلما فرغوا ، قال لهم الصديق رضي الله عنه ويحكم أين كان يذهب بعقولكم ؟ والله إن هذا لم يخرج من إِلَ . وذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة ، وكان صديقاً له في الجاهلية ، وكان عمرو لم يسلم بعد ، فقال له مسيلمة ويحك يا عمرو ماذا أنزل على صاحبكم ؟ يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المدة ، فقال لقد سمعت أصحابه يقرؤون سورة عظيمة قصيرة ، فقال وما هي ؟ فقال { وَٱلْعَصْرِ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } العصر1 - 2 إِلى آخر السورة ، ففكر مسيلمة ساعة ، ثم قال وأنا قد أنزل عليَّ مثله ، فقال وما هو ؟ فقال يا وَبْر يا وبر ، إِنما أنت أذنان وصدر ، وسائرك حفر نقر . كيف ترى يا عمرو ؟ فقال له عمرو والله إِنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب . فإذا كان هذا من مشرك في حال شركه لم يشتبه عليه حال محمد صلى الله عليه وسلم وصدقه ، وحال مسيلمة لعنه الله وكذبه ، فكيف بأولي البصائر والنهى ، وأصحاب العقول السليمة المستقيمة والحجا ؟ ولهذا قال تعالى { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِى إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ } الأنعام 93 وقال في هذه الآية الكريمة { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَـٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ } وكذلك من كذب بالحق الذي جاءت به الرسل ، وقامت عليه الحجج ، لا أحد أظلم منه كما جاء في الحديث " أعتى الناس على الله رجل قتل نبياً ، أو قتله نبي " .