Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 93-93)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عما أنعم به على بني إِسرائيل من النعم الدينية والدنيوية . وقوله { مُبَوَّأَ صِدْقٍ } قيل هو بلاد مصر والشام مما يلي بيت المقدس ونواحيه فإن الله تعالى لما أهلك فرعون وجنوده ، استقرت يد الدولة الموسوية على بلاد مصر بكمالها كما قال الله تعالى { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَـٰرِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَـٰرِبَهَا ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِىۤ إِسْرءِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } الأعراف 137 وقال في الآية الأخرى { فَأَخْرَجْنَـٰهُمْ مِّن جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَـٰهَا بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ } الشعراء 57 - 59 وقال { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ } الدخان 25 الآيات ، ولكن استمروا مع موسى عليه السلام طالبين إلى بلاد بيت المقدس ، وهي بلاد الخليل عليه السلام ، فاستمر موسى بمن معه طالباً بيت المقدس ، وكان فيه قوم من العمالقة ، فنكل بنو إِسرائيل عن قتالهم ، فشردهم الله تعالى في التيه أربعين سنة ، ومات فيه هارون ، ثم موسى ، عليهما السلام ، وخرجوا بعدهما مع يوشع بن نون ، ففتح الله عليهم بيت المقدس ، واستقرت أيديهم عليها إلى أن أخذها منهم بختنصر حيناً من الدهر ، ثم عادت إِليهم ، ثم أخذها ملوك اليونان ، فكانت تحت أحكامهم مدة طويلة ، وبعث الله عيسى بن مريم عليه السلام في تلك المدة ، فاستعانت اليهود قبحهم الله على معاداة عيسى عليه السلام بملوك اليونان ، وكانت تحت أحكامهم ، ووشوا عندهم ، وأوحوا إليهم أن هذا يفسد عليكم الرعايا ، فبعثوا من يقبض عليه ، فرفعه الله إليه ، وشبه لهم بعض الحواريين بمشيئة الله وقدره ، فأخذوه فصلبوه ، واعتقدوا أنه هو { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } النساء 158 ثم بعد المسيح عليه السلام بنحو ثلثمائة سنة ، دخل قسطنطين أحد ملوك اليونان في دين النصرانية ، وكان فيلسوفاً قبل ذلك ، فدخل في دين النصارى ، قيل تقية ، وقيل حيلة ليفسده ، فوضعت له الأساقفة منهم قوانين وشريعة بدعوها وأحدثوها ، فبنى لهم الكنائس والبيع الكبار والصغار والصوامع والهياكل والمعابد والقلايات ، وانتشر دين النصرانية في ذلك الزمان ، واشتهر على ما فيه من تبديل وتغيير وتحريف ووضع وكذب ومخالفة لدين المسيح ، ولم يبق على دين المسيح على الحقيقة منهم إِلا القليل من الرهبان ، فاتخذوا لهم الصوامع في البراري والمهامه والقفار . واسستحوذت يد النصارى على مملكة الشام والجزيرة وبلاد الروم ، وبنى هذا الملك المذكور مدينة قسطنطينية ، والقمامة ، وبيت لحم ، وكنائس ببلاد بيت المقدس ، ومدن حوران كبصرى وغيرها من البلدان بناءات هائلة محكمة ، وعبدوا الصليب من حينئذ ، وصلوا إلى الشرق ، وصوروا الكنائس ، وأحلوا لحم الخنزير وغير ذلك مما أحدثوه من الفروع في دينهم والأصول ، ووضعوا له الأمانة الحقيرة التي يسمونها الكبيرة ، وصنفوا له القوانين ، وبسط هذا يطول . والغرض أن يدهم لم تزل على هذه البلاد إلى أن انتزعها منهم الصحابة رضي الله عنهم ، وكان فتح بيت المقدس على يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ولله الحمد والمنة . وقوله { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } أي الحلال من الرزق الطيب النافع المستطاب طبعاً وشرعاً . وقوله { فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } أي ما اختلفوا في شيء من المسائل ، إلا من بعد ما جاءهم العلم ، أي ولم يكن لهم أن يختلفوا ، وقد بين الله لهم ، وأزال عنهم اللبس ، وقد ورد في الحديث " إن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة ، وإِن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، منها واحدة في الجنة ، واثنتان وسبعون في النار " قيل من هم يا رسول الله ؟ قال " ماأنا عليه وأصحابي " رواه الحاكم في مستدركه بهذا اللفظ ، وهو في السنن والمسانيد ، ولهذا قال الله تعالى { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ } أي يفصل بينهم { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } .