Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 100, Ayat: 1-11)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقسم تعالى بالخيل إذا أجريت في سبيله ، فعدت وضبحت ، وهو الصوت الذي يسمع من الفرس حين تعدو { فَٱلمُورِيَـٰتِ قَدْحاً } يعني اصطكاك نعالها للصخر ، فتقدح منه النار ، { فَٱلْمُغِيرَٰتِ صُبْحاً } يعني الإغارة وقت الصباح كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير صباحاً ، ويتسمَّعُ الأذان ، فإن سمع أذاناً ، وإلا أغار . وقوله تعالى { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } يعني غباراً في مكان معترك الخيول { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } أي توسطن ذلك المكان كلهن جمع . قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عبدة عن الأعمش ، عن إبراهيم عن عبد الله { وَٱلْعَـٰدِيَـٰتِ ضَبْحاً } قال الإبل ، وقال علي هي الإبل . وقال ابن عباس هي الخيل ، فبلغ علياً قول ابن عباس ، فقال ما كانت لنا خيل يوم بدر ، قال ابن عباس إنما كان ذلك في سرية بعثت . قال ابن أبي حاتم وابن جرير وحدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني أبو صخر عن أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس حدثه قال بينا أنا في الحجر جالساً ، جاءني رجل فسألني عن { وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } ، فقلت له الخيل حين تغير في سبيل الله ، ثم تأوي إلى الليل ، فيصنعون طعامهم ، ويورون نارهم ، فانفتل عني فذهب إلى علي رضي الله عنه ، وهو عند سقاية زمزم ، فسأله عن { وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } فقال سألت عنها أحداً قبلي ؟ قال نعم ، سألت ابن عباس ، فقال الخيل حين تغير في سبيل الله ، قال اذهب فادعه لي ، فلما وقف على رأسه قال أتفتي الناس بما لا علم لك ؟ والله لئن كان أول غزوة في الإسلام بدر ، وما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير ، وفرس للمقداد ، فكيف تكون العاديات ضبحاً ؟ إنما العاديات ضبحاً من عرفة إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منى ، قال ابن عباس فنزعت عن قولي ، ورجعت إلى الذي قال علي رضي الله عنه ، وبهذا الإسناد عن ابن عباس قال قال علي إنما العاديات ضبحاً من عرفة إلى المزدلفة ، فإذا أووا إلى المزدلفة ، أوروا النيران ، وقال العوفي وغيره عن ابن عباس هي الخيل . وقد قال بقول علي إنها الإبل ، جماعة ، منهم إبراهيم ، وعبيد بن عمير ، وقال بقول ابن عباس آخرون ، منهم مجاهد وعكرمة وعطاء وقتادة والضحاك ، واختاره ابن جرير ، وقال ابن عباس وعطاء ما ضبحت دابة قط إلا فرس أو كلب . وقال ابن جريج عن عطاء سمعت ابن عباس يصف الضبح أح أح ، وقال أكثر هؤلاء في قوله { فَٱلمُورِيَـٰتِ قَدْحاً } يعني بحوافرها ، وقيل أسعرنَ الحرب بين ركبانهن ، قاله قتادة . وعن ابن عباس ومجاهد { فَٱلمُورِيَـٰتِ قَدْحاً } يعني مكر الرجال . وقيل هو إيقاد النار إذا رجعوا إلى منازلهم من الليل ، وقيل المراد بذلك نيران القبائل ، وقال من فسرها بالخيل هو إيقاد النار بالمزدلفة . قال ابن جرير والصواب الأول أنها الخيل حين تقدح بحوافرها . وقوله تعالى { فَٱلْمُغِيرَٰتِ } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة يعني إغارة الخيل صبحاً في سبيل الله ، وقال من فسرها بالإبل هو الدفع صبحاً من المزدلفة إلى منى . وقالوا كلهم في قوله { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } هو المكان الذي حلت فيه ، أثارت به الغبار ، إما في حج ، أو غزو . وقوله تعالى { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } قال العوفي عن ابن عباس وعطاء وعكرمة وقتادة والضحاك يعني جمع الكفار من العدو ، ويحتمل أن يكون فوسطن بذلك المكان جميعهن ، ويكون جمعاً منصوباً على الحال المؤكدة ، وقد روى أبو بكر البزار ههنا حديثاً غريباً جداً ، فقال حدثنا أحمد بن عبدة ، حدثنا حفص بن جميع ، حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً ، فأشهرت شهراً لا يأتيه منها خبر ، فنزلت { وَٱلْعَـٰدِيَـٰتِ ضَبْحاً } ضبحت بأرجلها { فَٱلمُورِيَـٰتِ قَدْحاً } قدحت بحوافرها الحجارة ، فأورت ناراً ، { فَٱلْمُغِيرَٰتِ صُبْحاً } صبحت القوم بغارة ، { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } أثارت بحوافرها التراب ، { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } قال صبحت القوم جميعاً . وقوله تعالى { إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } هذا هو المقسم عليه ، بمعنى إنه بنعم ربه لكفور جحود . قال ابن عباس ومجاهد وإبراهيم النخعي وأبو الجوزاء وأبو العالية وأبو الضحى وسعيد بن جبير ومحمد بن قيس ، والضحاك والحسن وقتادة والربيع بن أنس وابن زيد الكنود الكفور ، قال الحسن الكنود هو الذي يعد المصائب ، وينسى نعم الله عليه . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو كريب ، حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } ــــ قال ــــ الكنود الذي يأكل وحده ، ويضرب عبده ، ويمنع رفده " رواه ابن أبي حاتم من طريق جعفر بن الزبير ، وهو متروك ، فهذا إسناد ضعيف ، وقد رواه ابن جرير أيضاً من حديث حريز بن عثمان عن حمزة بن هانىء عن أبي أمامة موقوفاً . وقوله تعالى { وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } قال قتادة وسفيان الثوري وإن الله على ذلك لشهيد . ويحتمل أن يعود الضمير على الإنسان ، قاله محمد بن كعب القرظي ، فيكون تقديره وإن الإنسان على كونه كنوداً لشهيد ، أي بلسان حاله ، أي ظاهر ذلك عليه في أقواله وأفعاله كما قال تعالى { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَـهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ } التوبة 17 . قوله تعالى { وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } أي وإنه لحب الخير ، وهو المال ، لشديد ، وفيه مذهبان أحدهما أن المعنى وإنه لشديد المحبة للمال والثاني وإنه لحريص بخيل من محبة المال ، وكلاهما صحيح . ثم قال تبارك وتعالى مزهداً في الدنيا ، ومرغباً في الآخرة ، ومنبهاً على ما هو كائن بعد هذه الحال ، وما يستقبله الإنسان من الأهوال { أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِى ٱلْقُبُورِ } ؟ أي أخرج ما فيها من الأموات ، { وَحُصِّلَ مَا فِى ٱلصُّدُورِ } قال ابن عباس وغيره يعني أبرز وأظهر ما كانوا يسرون في نفوسهم { إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ } أي لعالم بجميع ما كانوا يصنعون ويعملون ، ومجازيهم عليه أوفر الجزاء ، ولا يظلم مثقال ذرة . آخر تفسير سورة العاديات ، ولله الحمد والمنة .