Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 108, Ayat: 1-3)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال أغفى رسول الله إغفاءة ، فرفع رأسه متبسماً ، إما قال لهم ، وإما قالوا له لم ضحكت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه أنزلت علي آنفاً سورة " فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم { إِنَّآ أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ } حتى ختمها فقال " هل تدرون ما الكوثر ؟ " قالوا الله ورسوله أعلم . قال " هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة ، عليه خير كثير ، ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد الكواكب ، يختلج العبد منهم ، فأقول يا رب إنه من أمتي ، فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " هكذا رواه الإمام أحمد بهذا الإسناد الثلاثي ، وهذا السياق عن محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك . وقد ورد في صفة الحوض يوم القيامة أنه يشخب فيه ميزابان من السماء من نهر الكوثر ، وأن آنيته عدد نجوم السماء ، وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والنسائي من طريق علي بن مسهر ومحمد بن فضيل ، كلاهما عن المختار بن فلفل عن أنس ، ولفظ مسلم قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا في المسجد ، إذ أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسماً ، قلنا ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال " لقد أنزلت علي آنفاً سورة " فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم { إِنَّآ أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } ثم قال " أتدرون ما هو الكوثر ؟ " قلنا الله ورسوله أعلم ، قال " فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل ، عليه خير كثير ، وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم في السماء ، فيختلج العبد منهم ، فأقول رب إنه من أمتي ، فيقول إنك لا تدري ما أحدث بعدك " وقد استدل به كثير من القراء على أن هذه السورة مدنية ، وكثير من الفقهاء على أن البسملة من السورة ، وأنها منزلة معها . فأما قوله تعالى { إِنَّآ أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ } ، فقد تقدم في هذا الحديث أنه نهر في الجنة ، وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى عن أنس فقال حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، أخبرنا ثابت عن أنس أنه قرأ هذه الآية { إِنَّآ أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ } قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطيت الكوثر ، فإذا هو نهر يجري ، ولم يشق شقاً ، وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ ، فضربت بيدي في تربته ، فإذا مسك أذفر ، وإذا حصباؤه اللؤلؤ " وقال الإمام أحمد أيضاً حدثنا محمد بن أبي عدي عن حميد عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دخلت الجنة ، فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللولؤ ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء ، فإذا مسك أذفر ، قلت ماهذا يا جبريل ؟ قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل " ورواه البخاري في صحيحه ، ومسلم من حديث شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة عن أنس بن مالك قال لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال " أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف ، فقلت ما هذا يا جبريل ؟ قال هذا الكوثر " وهو لفظ البخاري رحمه الله . وقال ابن جرير حدثنا الربيع ، أخبرنا ابن وهب عن سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر ، قال سمعت أنس بن مالك يحدثنا قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ، مضى به جبريل إلى السماء الدنيا ، فإذا هو بنهر عليه قصر من اللؤلؤ وزبرجد ، فذهب يشم ترابه ، فإذا هو مسك ، قال " يا جبريل ما هذا النهر ؟ قال هو الكوثر الذي خبأ لك ربك " وقد تقدم حديث الإسراء في سورة سبحان من طريق شريك عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو مخرج في الصحيحين . وقال سعيد عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بينما أنا أسير في الجنة ، إذ عرض لي نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف ، فقال الملك ــــ الذي معه ــــ أتدري ما هذا ؟ هذا الكوثرالذي أعطاك الله ، وضرب بيده إلى أرضه ، فأخرج من طينه المسك " وكذا رواه سليمان بن طرخان ومعمر وهمام وغيرهم عن قتادة به . قال ابن جرير حدثنا أحمد بن أبي سريج ، حدثنا أبو أيوب العباس ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، حدثني محمد بن عبد الوهاب ابن أخي ابن شهاب عن أبيه عن أنس قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر فقال " هو نهر أعطانيه الله تعالى في الجنة ، ترابه مسك ، أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزر " قال أبو بكر يا رسول الله إنها لناعمة ، قال " آكلها أنعم منها " . وقال أحمد حدثنا أبو سلمة الخزاعي ، حدثنا الليث عن يزيد بن الهاد عن عبد الوهاب عن عبد الله بن مسلم بن شهاب عن أنس أن رجلاً قال يا رسول الله ما الكوثر ؟ قال " هو نهر في الجنة أعطانيه ربي ، لهو أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه طيورأعناقها كأعناق الجزر " قال عمر يا رسول الله إنها لناعمة ، قال " آكلها أنعم منها يا عمر " رواه ابن جرير من حديث الزهري عن أخيه عبد الله عن أنس أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر ، فذكر مثله سواء . وقال البخاري حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي ، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عائشة رضي الله عنها قال سألتها عن قوله تعالى { إِنَّآ أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ } قالت نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم ، شاطئاه عليه در مجوف ، آنيته كعدد النجوم ، ثم قال البخاري رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف عن أبي إسحاق ، ورواه أحمد والنسائي من طريق مطرف به . وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع عن سفيان وإسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عائشة قالت الكوثر نهر في الجنة ، شاطئاه در مجوف . وقال إسرائيل هو نهر في الجنة ، عليه من الآنية عدد نجوم السماء . وحدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب القمي عن حفص بن حميد عن شمر بن عطية عن شقيق أو مسروق قال قلت لعائشة يا أم المؤمنين حدثيني عن الكوثر ، قالت نهر في بطنان الجنة ، قلت وما بطنان الجنة ؟ قالت وسطها ، حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت ، وترابه المسك ، وحصباؤه اللؤلؤ والياقوت . وحدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع عن أبي جعفر الرازي عن ابن أبي نجيح عن عائشة رضي الله عنها قالت من أحب أن يسمع خرير الكوثر ، فليجعل أصبعيه في أذنيه ، هذا منقطع بين ابن أبي نجيح وعائشة ، وفي بعض الروايات عن رجل عنها ، ومعنى هذا أنه يسمع نظير ذلك ، لا أنه يسمعه نفسه ، والله أعلم . قال السهيلي ورواه الدارقطني مرفوعاً من طريق مالك بن مغول عن الشعبي عن مسروق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم . ثم قال البخاري حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر هو الخير الذي أعطاه الله إياه ، قال أبو بشر قلت لسعيد بن جبير فإن ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة ، قال سعيد النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه ، ورواه أيضاً من حديث هشيم عن أبي بشر وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال الكوثر الخير الكثير . وقال الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكوثر الخير الكثير ، وهذا التفسير يعم النهر وغيره لأن الكوثر من الكثرة ، وهو الخير الكثير ، ومن ذلك النهر كما قال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومحارب بن دثار والحسن بن أبي الحسن البصري ، حتى قال مجاهد هو الخير الكثير في الدنيا والآخرة ، وقال عكرمة هو النبوة ، والقرآن ، وثواب الآخرة . وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر أيضاً ، فقال ابن جرير حدثنا أبو كريب ، حدثنا عمر بن عبيد عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه ذهب وفضة ، يجري على الياقوت والدر ، ماؤه أبيض من الثلج ، وأحلى من العسل ، وروى العوفي عن ابن عباس نحو ذلك . وقال ابن جرير حدثني يعقوب ، حدثنا هشيم ، أخبرنا عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن ابن عمر أنه قال الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه ذهب وفضة ، يجري على الدر والياقوت ، ماؤه أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، وكذا رواه الترمذي عن ابن حميد عن جرير عن عطاء بن السائب به مثله موقوفاً ، وقد روي مرفوعاً ، فقال الإمام أحمد حدثنا علي بن حفص ، حدثنا ورقاء قال وقال عطاء عن محارب بن دثار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، والماء يجري على اللؤلؤ ، وماؤه أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل " وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن جرير من طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب به مرفوعاً ، وقال الترمذي حسن صحيح . وقال ابن جرير حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، أخبرنا عطاء بن السائب قال قال لي محارب بن دثار ما قال سعيد بن جبير في الكوثر ؟ قلت حدثنا عن ابن عباس أنه قال هو الخير الكثير ، فقال صدق والله إنه للخير الكثير ، ولكن حدثنا ابن عمر قال لما نزلت { إِنَّآ أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، يجري على الدر والياقوت " وقال ابن جرير حدثني ابن البرقي ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ، أخبرني حرام بن عثمان عن عبد الرحمن الأعرج عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوماً ، فلم يجده ، سأل عنه امرأته ، وكانت من بني النجار ، فقالت خرج يا نبي الله آنفاً ، عامداً نحوك ، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار ، أولا تدخل يا رسول الله ؟ فدخل ، فقدمت إليه حيساً ، فأكل منه ، فقالت يا رسول الله هنيئاً لك ومريئاً ، لقد جئت وأنا أريد أن آتيك فأهنيك وأمريك ، أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهراً في الجنة يدعى الكوثر فقال " أجل ، وعرضه ــــ يعني أرضه ــــ ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ " حرام بن عثمان ضعيف ، ولكن هذا سياق حسن ، وقد صح أصل هذا ، بل قد تواتر من طرق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث ، وكذلك أحاديث الحوض ، وهكذا روي عن أنس وأبي العالية ومجاهد وغير واحد من السلف أن الكوثر نهر في الجنة ، وقال عطاء هو حوض في الجنة . وقوله تعالى { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } أي كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة ، ومن ذلك النهر الذي تقدم صفته ، فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ونحرك ، فاعبده وحده لا شريك له ، وانحر على اسمه وحده لا شريك له ، كما قال تعالى { قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } الأنعام 162 ــــ 163 قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن يعني بذلك نحر البدن ونحوها ، وكذا قال قتادة ومحمد بن كعب القرظي والضحاك والربيع وعطاء الخراساني والحكم وإسماعيل بن أبي خالد وغير واحد من السلف ، وهذا بخلاف ما كان عليه المشركون من السجود لغير الله ، والذبح على غير اسمه كما قال تعالى { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } الآية الأنعام 121 ، وقيل المراد بقوله { وَٱنْحَرْ } وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى تحت النحر ، يروى هذا عن علي ، ولا يصح ، وعن الشعبي مثله ، وعن أبي جعفر الباقر { وَٱنْحَرْ } يعني رفع اليدين عند افتتاح الصلاة ، وقيل { وَٱنْحَرْ } أي واستقبل بنحرك القبلة ، ذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن جرير . وقد روى ابن أبي حاتم ههنا حديثاً منكراً جداً فقال حدثنا وهب بن إبراهيم الفامي سنة خمس وخمسين ومئتين ، حدثنا إسرائيل بن حاتم المروزي ، حدثنا مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب قال لما نزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم { إِنَّآ أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا جبريل ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ؟ " فقال ليست بنحيرة ، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة ، ارفع يديك إذا كبرت ، وإذا ركعت ، وإذا رفعت رأسك من الركوع ، وإذا سجدت فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السموات السبع ، وإن لكل شيء زينة ، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة . وهكذا رواه الحاكم في المستدرك من حديث إسرائيل بن حاتم به ، وعن عطاء الخراساني { وَٱنْحَرْ } أي ارفع صلبك بعد الركوع ، واعتدل ، وأبرز نحرك ، يعني به الاعتدال ، رواه ابن أبي حاتم . وكل هذه الأقوال غريبة جداً ، والصحيح القول الأول أن المراد بالنحر ذبح المناسك ، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ، ثم ينحر نسكه ويقول " من صلى صلاتنا ، ونسك نسكنا ، فقد أصاب النسك ، ومن نسك قبل الصلاة ، فلا نسك له " فقام أبو بردة بن نيار فقال يا رسول الله إني نسكت شاتي قبل الصلاة ، وعرفت أن اليوم يوم يشتهى فيه اللحم . قال " شاتك شاة لحم " قال فإن عندي عناقاً هي أحب إلي من شاتين ، أفتجزىء عني ؟ قال " تجزئك ، ولا تجزىء أحداً بعدك " . قال أبو جعفر بن جرير والصواب قول من قال إن معنى ذلك فاجعل صلاتك كلها لربك خالصاً دون ما سواه من الأنداد والآلهة ، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان شكراً له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفاء له ، وخصك به ، وهذا الذي قاله في غاية الحسن ، وقد سبقه إلى هذا المعنى محمد بن كعب القرظي وعطاء . وقوله تعالى { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } أي إن مبغضك يا محمد ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين ، هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكره ، قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة نزلت في العاص بن وائل ، وقال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان قال كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول دعوه فإنه رجل أبتر ، لا عقب له ، فإذا هلك ، انقطع ذكره ، فأنزل الله هذه السورة ، وقال شمر بن عطية نزلت في عقبة بن أبي معيط . وقال ابن عباس أيضاً وعكرمة نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من كفار قريش . وقال البزار حدثنا زياد بن يحيى الحساني ، حدثنا ابن أبي عدي عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال قدم كعب بن الأشرف مكة ، فقالت له قريش أنت سيدهم ، ألا ترى إلى هذا الصنبر المنبتر من قومه ؟ يزعم أنه خير منا ، ونحن أهل الحجيج ، وأهل السدانة ، وأهل السقاية ، فقال أنتم خير منه ، قال فنزلت { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } هكذا رواه البزار ، وهو إسناد صحيح ، وعن عطاء قال نزلت في أبي لهب ، وذلك حين مات ابن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب أبو لهب إلى المشركين فقال بتر محمد الليلة ، فأنزل الله في ذلك { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } . وعن ابن عباس نزلت في أبي جهل ، وعنه { إِنَّ شَانِئَكَ } يعني عدوك ، وهذا يعم جميع من اتصف بذلك ممن ذكر وغيرهم ، وقال عكرمة الأبتر الفرد . وقال السدي كانوا إذا مات ذكور الرجل ، قالوا بتر ، فلما مات أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا بتر محمد ، فأنزل الله { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره ، فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه ، انقطع ذكره ، وحاشا وكلا ، بل قد أبقى الله ذكره على رؤوس الأشهاد ، وأوجب شرعه على رقاب العباد ، مستمراً على دوام الآباد ، إلى يوم المحشر والمعاد ، صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم التناد . آخر تفسير سورة الكوثر ، و لله الحمد والمنة .