Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 118-119)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كلهم أمة واحدة من إيمان أو كفر كما قال تعالى { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } وقوله { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } أي ولا يزال الخُلْفُ بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم ، وقال عكرمة مختلفين في الهدى ، وقال الحسن البصري مختلفين في الرزق ، يسخر بعضهم بعضاً ، والمشهور الصحيح الأول . وقوله { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } أي إلا المرحومين من أتباع الرسل الذين تمسكوا بما أمروا به من الدين ، أخبرتهم به رسل الله إليهم ، ولم يزل ذلك دأبهم ، حتى كان النبي وخاتم الرسل والأنبياء ، فاتبعوه وصدقوه ووازروه ، ففازوا بسعادة الدنيا والآخرة لأنهم الفرقة الناجية كما جاء في الحديث المروي في المسانيد والسنن من طرق يشد بعضها بعضاً " إن اليهود افترقت على إحدى وسبعين فرقة ، وإن النصارى افترقت على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا فرقة واحدة " قالوا ومن هم يا رسول الله ؟ قال " ما أنا عليه وأصحابي " رواه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة ، وقال عطاء { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } يعني اليهود والنصارى والمجوس { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } يعني الحنيفية ، وقال قتادة أهل رحمة الله أهل الجماعة ، وإن تفرقت ديارهم وأبدانهم ، وأهل معصيته أهل فرقة ، وإن اجتمعت ديارهم وأبدانهم ، وقوله { وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } قال الحسن البصري في رواية عنه وللاختلاف خلقهم ، وقال مكي بن أبي طلحة عن ابن عباس خلقهم فريقين كقوله { فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ } هود 105 وقيل للرحمة خلقهم . قال ابن وهب أخبرني مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن طاوس أن رجلين اختصما إليه ، فأكثرا ، فقال طاوس اختلفتما وأكثرتما ، فقال أحد الرجلين لذلك خلقنا ، فقال طاوس كذبت ، فقال أليس الله يقول { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } قال لم يخلقهم ليختلفوا ، ولكن خلقهم للجماعة والرحمة كما قال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال للرحمة خلقهم ، ولم يخلقهم للعذاب ، وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة ، ويرجع معنى هذا القول إلى قوله تعالى { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } الذاريات 56 وقيل بل المراد وللرحمة والاختلاف خلقهم كما قال الحسن البصري في رواية عنه في قوله { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } قال الناس مختلفون على أديان شتى { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } فمن رحم ربك غير مختلف ، فقيل له لذلك خلقهم ؟ قال خلق هؤلاء لجنته ، وخلق هؤلاء لناره ، وخلق هؤلاء لرحمته ، وخلق هؤلاء لعذابه . وكذا قال عطاء بن أبي رباح والأعمش ، وقال ابن وهب سألت مالكاً عن قوله تعالى { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } قال فريق في الجنة ، وفريق في السعير ، وقد اختار هذا القول ابن جرير وأبو عبيد الفراء .