Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 18-22)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يبين تعالى حال المفترين عليه ، وفضيحتهم في الدار الآخرة على رؤوس الخلائق من الملائكة والرسل والأنبياء وسائر البشر والجان كما قال الإمام أحمد حدثنا بهز وعفان ، أخبرنا همام ، حدثنا قتادة عن صفوان بن محرز قال كنت آخذاً بيد ابن عمر ، إذ عرض له رجل قال كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم القيامة ؟ قال سمعته يقول " إن الله عز وجل يدني المؤمن ، فيضع عليه كنفه ، ويستره من الناس ، ويقرره بذنوبه ، ويقول له أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قرره بذنوبه ، ورأى في نفسه أنه قد هلك ، قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا ، وإني أغفرها لك اليوم " ثم يعطى كتاب حسناته ، وأما الكفار والمنافقون ، فيقول { ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } الآية ، أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث قتادة به . وقوله { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } أي يردون الناس عن اتباع الحق وسلوك طريق الهدى الموصلة إلى الله عز وجل ، ويجنبونهم الجنة { وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } أي ويريدون أن يكون طريقهم عوجاً غير معتدلة { وَهُمْ بِٱلأَخِرَةِ هُمْ كَـٰفِرُونَ } أي جاحدون بها ، مكذبون بوقوعها وكونها { أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِى ٱلأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ } أي بل كانوا تحت قهره وغلبته ، وفي قبضته وسلطانه ، وهو قادر على الانتقام منهم في الدار الدنيا قبل الآخرة { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَـٰرُ } إبراهيم 42 . وفي الصحيحين " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ولهذا قال تعالى { يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ } الآية ، أي يضاعف عليهم العذاب ، وذلك أن الله تعالى جعل لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة ، فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم ، بل كانوا صماً عن سماع الحق ، عمياً عن اتباعه كما أخبر تعالى عنهم حين دخولهم النار كقوله { وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِىۤ أَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ } الملك 10 وقال تعالى { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَـٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ } النحل 88 الآية ، ولهذا يعذبون على كل أمر تركوه ، وعلى كل نهي ارتكبوه ، ولهذا كان أصح الأقوال أنهم مكلفون بفروع الشرائع أمرها ونهيها بالنسبة إلى الدار الآخرة . وقوله { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي خسروا أنفسهم لأنهم أدخلوا ناراً حامية ، فهم معذبون فيها ، لا يفتر عنهم من عذابها طرفة عين كما قال تعالى { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } الإسراء 97 { وَضَلَّ عَنْهُمْ } أي ذهب عنهم { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } من دون الله من الأنداد والأصنام ، فلم تجد عنهم شيئاً ، بل ضرتهم كل الضرر كما قال تعالى { وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَـٰفِرِينَ } الأحقاف 6 . وقال تعالى { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءالِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَـٰدَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } مريم81 - 82 وقال الخليل لقومه { إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَـٰناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } العنكبوت 25 وقوله { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ } البقرة 166 إلى غير ذلك من الآيات الدالة على خسرهم ودمارهم ، ولهذا قال { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِى ٱلأَخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } يخبر تعالى عن مآلهم أنهم أخسر الناس صفقة في الدار الآخرة لأنهم استبدلوا الدركات عن الدرجات ، واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن ، وعن شرب الرحيق المختوم بسموم وحميم وظل من يحموم ، وعن الحور العين بطعام من غسلين ، وعن القصور العالية بالهاوية ، وعن قرب الرحمن ورؤيته بغضب الديان وعقوبته ، فلا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون .