Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 69-73)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى { وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ } وهم الملائكة ، إبراهيم بالبشرى ، قيل تبشره بإسحاق ، وقيل بهلاك قوم لوط ، ويشهد للأول قوله تعالى { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَٰهِيمَ ٱلرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ يُجَـٰدِلُنَا فِى قَوْمِ لُوطٍ } هود 74 ، { قَالُواْ سَلَـٰماً قَالَ سَلَـٰمٌ } أي عليكم ، قال علماء البيان هذا أحسن مما حيوه به لأن الرفع يدل على الثبوت والدوام { فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } أي ذهب سريعاً ، فأتاهم بالضيافة ، وهو عجل فتى البقر ، حنيذ مشوي على الرضف ، وهي الحجارة المحماة . هذا معنى ما روي عن ابن عباس وقتادة وغير واحد كما قال في الآية الأخرى { فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ } الذاريات26 - 27 وقد تضمنت هذه الآية آداب الضيافة من وجوه كثيرة . وقوله { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ } تنكرهم { وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } وذلك أن الملائكة لا همة لهم إلى الطعام ، ولا يشتهونه ، ولا يأكلونه ، فلهذا رأى حالهم معرضين عما جاءهم به ، فارغين عنه بالكلية ، فعند ذلك نكرهم { وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } قال السدي لما بعث الله الملائكة لقوم لوط ، أقبلت تمشي في صور رجال شبان ، حتى نزلوا على إبراهيم ، فتضيفوه ، فلما رآهم أجلهم { فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } الذاريات 26 فذبحه ، ثم شواه في الرضف ، وأتاهم به ، فقعد معهم ، وقامت سارة تخدمهم ، فذلك حين يقول - وامرأته قائمة وهو جالس - في قراءة ابن مسعود { فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ } الذاريات 27 قالوا يا إبراهيم إنا لا نأكل طعاماً إلا بثمن ، قال فإن لهذا ثمناً ، قالوا وما ثمنه ؟ قال تذكرون اسم الله على أوله ، وتحمدونه على آخره ، فنظر جبريل إلى ميكائيل ، فقال حق لهذا أن يتخذه ربه خليلاً ، { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ } يقول فلما رآهم لا يأكلون ، فزع منهم ، وأوجس منهم خيفة ، فلما نظرت سارة أنه قد أكرمهم ، وقامت هي تخدمهم ، ضحكت وقالت عجباً لأضيافنا هؤلاء ، نخدمهم بأنفسنا كرامة لهم ، وهم لا يأكلون طعامنا . وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا نصر بن علي ، حدثنا نوح بن قيس عن عثمان بن محصن في ضيف إبراهيم ، قال كانوا أربعة جبريل وميكائيل وإسرافيل ورفائيل . قال نوح بن قيس فزعم نوح بن أبي شداد أنهم لما دخلوا على إبراهيم ، فقرب إليهم العجل ، مسحه جبريل بجناحه ، فقام يدرج حتى لحق بأمه ، وأم العجل في الدار ، وقوله تعالى إخباراً عن الملائكة { قَالُواْ لاَ تَخَفْ } أي قالوا لا تخف منا ، إنا ملائكة أرسلنا إلى قوم لوط لنهلكهم ، فضحكت سارة استبشاراً بهلاكهم لكثرة فسادهم ، وغلظ كفرهم ، فلهذا جوزيت بالبشارة بالولد بعد الإياس ، وقال قتادة ضحكت وعجبت أن قوماً يأتيهم العذاب ، وهم في غفلة ، وقوله { وَمِن وَرَآءِ إِسْحَـٰقَ يَعْقُوبَ } قال العوفي عن ابن عباس فضحكت ، أي حاضت ، وقول محمد بن قيس إنها إنما ضحكت من أنها ظنت أنهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوط ، وقول الكلبي إنها إنما ضحكت لما رأت من الروع بإبراهيم ضعفاً ووجداً ، وإن كان ابن جرير قد رواهما بسنده إليهما ، فلا يلتفت إلى ذلك ، والله أعلم . وقال وهب بن منبه إنما ضحكت لما بشرت بإسحاق ، وهذا مخالف لهذا السياق فإن البشارة صريحة مرتبة على ضحكها { فَبَشَّرْنَـٰهَا بِإِسْحَـٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَـٰقَ يَعْقُوبَ } أي بولد لها يكون له ولد وعقب ونسل فإن يعقوب ولد إسحاق كما قال في آية البقرة { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِى قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَآئِكَ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } البقرة 133 . ومن ههنا استدل من استدل بهذه الآية على أن الذبيح إنما هو إسماعيل ، وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق لأنه وقعت البشارة به ، وأنه سيولد له يعقوب ، فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه ، وهو طفل صغير ، ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده ، ووعد الله حق لا خلف فيه ، فيمتنع أن يؤمر بذبح هذا والحالة هذه ، فتعين أن يكون إسماعيل ، وهذا من أحسن الاستدلال ، وأصحه وأبينه ، ولله الحمد { قَالَتْ يٰوَيْلَتَا ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِى شَيْخًا } الآية ، حكى قولها في هذه الآية ، كما حكى فعلها في الآية الأخرى فإنها { قَالَتْ يٰوَيْلَتَا ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ } وفي الذاريات { فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِى صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } الذاريات 29 كما جرت به عادة النساء في أقوالهن وأفعالهن عند التعجب { قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } أي قالت الملائكة لها لا تعجبي من أمر الله فإنه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، فلا تعجبي من هذا ، وإن كنت عجوزاً عقيماً وبعلك شيخاً كبيراً ، فإن الله على ما يشاء قدير { رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَـٰتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } أي هو الحميد في جميع أفعاله وأقواله ، محمود ممجد في صفاته وذاته ، ولهذا ثبت في الصحيحين أنهم قالوا قد علمنا السلام عليك ، فكيف الصلاة عليك يا رسول الله ؟ ، قال " قولوا اللهم صلِّ على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، وبارك على محمد ، وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، وآل إبراهيم إنك حميد مجيد " .