Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 31-31)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مادحاً للقرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم ومفضلاً له على سائر الكتب المنزلة قبله { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } أي لو كان في الكتب الماضية كتاب تسير به الجبال عن أماكنها ، أو تقطع به الأرض وتنشق ، أو تكلم به الموتى في قبورها ، لكان هذا القرآن هو المتصف بذلك دون غيره ، أو بطريق الأولى أن يكون كذلك لما فيه من الإعجاز الذي لا يستطيع الإنسان والجن عن آخرهم إذا اجتمعوا أن يأتوا بمثله ، ولا بسورة من مثله ، ومع هذا فهؤلاء المشركون كافرون به ، جاحدون له ، { بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعًا } أي مرجع الأمور كلها إلى الله عز وجل ، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ومن يضلل الله فلا هادي له ، ومن يهد الله فما له من مضل ، وقد يطلق اسم القرآن على كل من الكتب المتقدمة لأنه مشتق من الجمع . قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خففت على داود القراءة ، فكان يأمر بدابته أن تسرج ، فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته ، وكان لا يأكل إلا من عمل يديه " انفرد بإخراجه البخاري . والمراد بالقرآن هو الزبور . وقوله { أَفَلَمْ يَاْيْـئَسِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ } أي من إيمان جميع الخلق ، ويعلموا ، أو يتبينوا { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعًا } فإنه ليس ثم حجة ولا معجزة أبلغ ولا أنجع في العقول والنفوس من هذا القرآن ، الذي لو أنزله الله على جبل ، لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله . وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من نبي إلا وقد أوتي ما آمن على مثله البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة " ، معناه أن معجزة كل نبي انقرضت بموته ، وهذا القرآن حجة باقية على الآباد ، لا تنقضي عجائبه ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا يشبع منه العلماء ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة ، حدثنا منجاب بن الحارث ، أنبأنا بشر بن عمارة ، حدثنا عمر بن حسان عن عطية العوفي قال قلت له { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } الآية ، قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع ، فنحرث فيها ، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح ، أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيي الموتى لقومه ، فأنزل الله هذه الآية ، قال قلت هل تروون هذا الحديث عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم ، عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذا روى ابن عباس والشعبي وقتادة والثوري وغير واحد في سبب نزول هذه الآية ، والله أعلم . وقال قتادة لو فعل هذا بقرآن غير قرآنكم لفعل بقرآنكم . وقوله { بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعًا } قال ابن عباس أي لا يصنع من ذلك إلا ما شاء ، ولم يكن ليفعل ، رواه ابن إسحاق بسنده عنه ، وقاله ابن جرير أيضاً . وقال غير واحد من السلف في قوله { أَفَلَمْ يَاْيْـئَسِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ } أفلم يعلم الذين آمنوا ، وقرأ آخرون أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً . وقال أبو العالية قد يئس الذين آمنوا أن يهدوا ، ولو يشاء الله لهدى الناس جميعاً . وقوله { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ } أي بسبب تكذيبهم لا تزال القوارع تصيبهم في الدنيا ، أو تصيب من حولهم ليتعظوا ويعتبروا ، كما قال تعالى { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا ٱلآيَـٰتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } الأحقاف 27 وقال { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ } الأنبياء 44 . قال قتادة عن الحسن { أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ } أي القارعة ، وهذا هو الظاهر من السياق . وقال أبو داود الطيالسي حدثنا المسعودي عن قتادة عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ } قال سرية ، { أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ } قال محمد صلى الله عليه وسلم { حَتَّىٰ يَأْتِىَ وَعْدُ ٱللَّهِ } قال " فتح مكة " ، وهكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد في رواية ، وقال العوفي عن ابن عباس { تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ } قال عذاب من السماء ينزل عليهم { أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ } يعني نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ، وقتاله إياهم ، وكذا قال مجاهد وقتادة . وقال عكرمة في رواية عن ابن عباس { قَارِعَةٌ } أي نكبة . وكلهم قال { حَتَّىٰ يَأْتِىَ وَعْدُ ٱللَّهِ } يعني فتح مكة . وقال الحسن البصري يوم القيامة ، وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } أي لا ينقض وعده لرسله بالنصرة لهم ولأتباعهم في الدنيا والآخرة { فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ } إبراهيم 47 .