Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 106-109)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أخبر تعالى عمن كفر به بعد الإيمان والتبصر ، وشرح صدره بالكفر واطمأن به أنه قد غضب عليه لعلمهم بالإيمان ، ثم عدولهم عنه ، وأن لهم عذابا عظيماً في الدار الآخرة لأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ، فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة لأجل الدنيا ، ولم يهد الله قلوبهم ويثبتهم على الدين الحق ، فطبع على قلوبهم ، فهم لا يعقلون بها شيئاً ينفعهم ، وختم على سمعهم وأبصارهم ، فلا ينتفعون بها ، ولا أغنت عنهم شيئاً ، فهم غافلون عما يراد بهم ، { لاَ جَرَمَ } أي لا بد ، ولا عجب أن من هذه صفته { أَنَّهُمْ فِى ٱلأَخِرَةِ هُمُ ٱلْخَـٰسِرونَ } أي الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة . وأما قوله { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَـٰنِ } فهو استثناء ممن كفر بلسانه ، ووافق المشركين بلفظه مكرهاً لما ناله من ضرب وأذى ، وقلبه يأبى ما يقول ، وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله . وقد روى العوفي عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فوافقهم على ذلك مكرهاً ، وجاء معتذراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية . وهكذا قال الشعبي وقتادة وأبو مالك ، وقال ابن جرير حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن عبد الكريم الجزري ، عن أبي عبيدة محمد بن عمار بن ياسر ، قال أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا ، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " كيف تجد قلبك ؟ " قال مطمئناً بالإيمان . قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن عادوا فعد " ورواه البيهقي بأبسط من ذلك ، وفيه أنه سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير ، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله ما تركت حتى سببتك ، وذكرت آلهتهم بخير ، قال " كيف تجد قلبك ؟ " قال مطمئناً بالإيمان ، فقال " إن عادوا فعد " ، وفي ذلك أنزل الله { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَـٰنِ } ولهذا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاء لمهجته ، ويجوز له أن يأبى كما كان بلال رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك ، وهم يفعلون به الأفاعيل ، حتى إنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر ، ويأمرونه بالشرك بالله ، فيأبى عليهم ، وهو يقول أحد ، أحد . ويقول والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها ، لقلتها ، رضي الله عنه وأرضاه . وكذلك حبيب بن زيد الأنصاري لما قال له مسيلمة الكذاب أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ فيقول نعم . فيقول أتشهد أني رسول الله ؟ فيقول لا أسمع . فلم يزل يقطعه إرباً إرباً وهو ثابت على ذلك . وقال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب عن عكرمة أن علياً رضي الله عنه حرق ناساً ارتدوا عن الإسلام ، فبلغ ذلك ابن عباس ، فقال لم أكن لأحرقهم بالنار ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تعذبوا بعذاب الله " وكنت أقاتلهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من بدل دينه فاقتلوه " فبلغ ذلك علياً فقال ويح أم ابن عباس ، رواه البخاري . وقال الإمام أحمد أيضاً حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر عن أيوب عن حميد بن هلال العدوي ، عن أبي بردة قال قدم على أبي موسى معاذُ بن جبل باليمن ، فإذا رجل عنده ، قال ما هذا ؟ قال رجل كان يهودياً ، فأسلم ، ثم تهود ، ونحن نريده على الإسلام منذ - قال أحسبه - شهرين ، فقال والله لا أقعد حتى تضربوا عنقه ، فضربت عنقه ، فقال قضى الله ورسوله أن من رجع عن دينه فاقتلوه ، أو قال " من بدل دينه فاقتلوه " وهذه القصة في الصحيحين بلفظ آخر . والأفضل والأولى أن يثبت المسلم على دينه ولو أفضى إلى قتله ، كما ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن حذافة السهمي أحد الصحابة أنه أسرته الروم ، فجاؤوا به إلى ملكهم ، فقال له تنصر ، وأنا أشركك في ملكي ، وأزوجك ابنتي ، فقال له لو أعطيتني جميع ما تملك ، وجميع ما تملكه العرب على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ، ما فعلت ، فقال إذاً أقتلك ، فقال أنت وذاك ، قال فأمر به فصلب ، وأمر الرماة ، فرموه قريباً من يديه ورجليه ، وهو يعرض عليه دين النصرانية فيأبى ، ثم أمر به فأنزل ، ثم أمر بقدر ، وفي رواية ببقرة من نحاس ، فأحميت ، وجاء بأسير من المسلمين ، فألقاه وهو ينظر ، فإذا هو عظام تلوح ، وعرض عليه فأبى ، فأمر به أن يلقى فيها ، فرفع في البكرة ليلقى فيها ، فبكى ، فطمع فيه ودعاه ، فقال إنما بكيت لأن نفسي إنما هي نفس واحدة تلقى في هذه القدر الساعة في الله ، فأحببت أن يكون لي بعدد كل شعرة في جسدي نفس تعذب هذا العذاب في الله . وفي بعض الروايات أنه سجنه ومنع منه الطعام والشراب أياماً ، ثم أرسل إليه بخمر ولحم خنزير فلم يقربه ، ثم استدعاه فقال ما منعك أن تأكل ؟ فقال أما إنه قد حل لي ، ولكن لم أكن لأشمتك بي ، فقال له الملك فقبل رأسي وأنا أطلقك ، فقال وتطلق معي جميع أسارى المسلمين ؟ قال نعم ، فقبل رأسه فأطلقه وأطلق معه جميع أسارى المسلمين عنده ، فلما رجع ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة ، وأنا أبدأ ، فقام فقبل رأسه رضي الله عنهما .