Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 14-18)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن تسخيره البحر المتلاطم الأمواج ، ويمتن على عباده بتذليله لهم وتيسيرهم للركوب فيه ، وجعله السمك والحيتان فيه ، وإحلاله لعباده لحمها حيها وميتها في الحل والإحرام ، وما يخلقه فيه من اللآلىء والجواهر النفيسة ، وتسهيله للعباد استخراجهم من قراره حلية يلبسونها ، وتسخيره البحر لحمل السفن التي تمخره ، أي تشقه ، وقيل تمخر الرياح ، وكلاهما صحيح ، وقيل تمخره بجؤجئها - وهو صدرها المسنم - الذي أرشد العباد إلى صنعتها ، وهداهم إلى ذلك إرثاً عن أبيهم نوح عليه السلام ، فإنه أول من ركب السفن ، وله كان تعليم صنعتها ، ثم أخذها الناس عنه قرناً بعد قرن ، وجيلاً بعد جيل ، يسيرون من قطر إلى قطر ، ومن بلد إلى بلد ، ومن إقليم إلى إقليم ، لجلب ما هناك إلى ما هنا ، وما هنا إلى ما هناك ، ولهذا قال تعالى { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي نعمه وإحسانه . وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده وجدت في كتابي عن محمد بن معاوية البغدادي ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمرو عن سهل بن أبي صالح عن أبيه ، عن أبي هريرة قال كلم الله البحر الغربي ، وكلم البحر الشرقي ، فقال للبحر الغربي إني حامل فيك عباداً من عبادي ، فكيف أنت صانع فيهم ؟ قال أغرقهم ، فقال بأسك في نواحيك ، وأحملهم على يدي ، وحرمت الحلية والصيد ، وكلم هذا البحر الشرقي فقال إني حامل فيك عباداً من عبادي فما أنت صانع بهم ؟ فقال أحملهم على يدي وأكون لهم كالوالدة لولدها ، فأثابه الحلية والصيد ، ثم قال البزار لا نعلم من رواه عن سهل غير عبد الرحمن بن عبد الله بن عمرو ، وهو منكر الحديث . وقد رواه سهل عن النعمان بن أبي عياش عن عبد الله بن عمر موقوفاً . ثم ذكر تعالى الأرض وما ألقى فيها من الرواسي الشامخات ، والجبال الراسيات لتقر الأرض ولا تميد ، أي تضطرب بما عليها من الحيوانات ، فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك ، ولهذا قال { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَـٰهَا } النازعات 32 وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن قتادة ، سمعت الحسن يقول لما خلقت الأرض ، كانت تميد ، فقالوا ما هذه بمقرة على ظهرها أحداً ، فأصبحوا وقد خلقت الجبال ، فلم تدر الملائكة مم خلقت الجبال . وقال سعيد عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عبادة أن الله لما خلق الأرض جعلت تمور ، فقالت الملائكة ما هذه بمقرة على ظهرها أحداً ، فأصبحت صبحاً وفيها رواسيها . وقال ابن جرير حدثني المثنى ، حدثني حجاج بن منهال ، حدثنا حماد عن عطاء بن السائب ، عن عبد الله بن حبيب ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لما خلق الله الأرض ، قَمَصَت وقالت أي رب تجعل علي بني آدم يعملون الخطايا ، ويجعلون علي الخبث ؟ قال فأرسى الله فيها من الجبال ما ترون وما لا ترون ، فكان إقرارها كاللحم يترجرج . وقوله { وَأَنْهَـٰراً وَسُبُلاً } أي جعل فيها أنهاراً تجري من مكان إلى مكان آخر رزقاً للعباد ، ينبع في موضع ، وهو رزق لأهل موضع آخر ، فيقطع البقاع والبراري والقفار ، ويخترق الجبال والآكام ، فيصل إلى البلد الذي سخر لأهله ، وهي سائرة في الأرض يمنة ويسرة ، وجنوباً وشمالاً . وشرقاً وغرباً ، ما بين صغار وكبار ، وأودية تجري حيناً ، وتنقطع في وقت ، وما بين نبع وجمع ، وقوي السير وبطيئه بحسب ما أراد وقدر وسخر ويسر ، فلا إله إلا هو ، ولا رب سواه ، وكذلك جعل فيها سبلاً ، أي طرقاً يسلك فيها من بلاد إلى بلاد ، حتى إنه تعالى ليقطع الجبل حتى يكون ما بينهما ممراً ومسلكاً ، كما قال تعالى { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً } الأنبياء 31 الآية . وقوله { وَعَلامَـٰتٍ } أي دلائل من جبال كبار ، وآكام صغار ، ونحو ذلك ، يستدل بها المسافرون براً وبحراً إذا ضلوا الطرق . وقوله { وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } أي في ظلام الليل ، قاله ابن عباس ، وعن مالك في قوله { وَعَلامَـٰتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } يقول النجوم ، وهي الجبال ، ثم نبه تعالى على عظمته ، وأنه لا تنبغي العبادة إلا له دون ما سواه من الأوثان التي لا تخلق شيئاً بل هم يخلقون ، ولهذا قال { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } ثم نبههم على كثرة نعمه عليهم وإحسانه إليهم ، فقال { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي يتجاوز عنكم ، ولو طالبكم بشكر جميع نعمه ، لعجزتم عن القيام بذلك ، ولو أمركم به ، لضعفتم وتركتم ، ولو عذبكم ، لعذبكم وهو غير ظالم لكم ، ولكنه غفور رحيم ، يغفر الكثير ، ويجازي على اليسير ، وقال ابن جرير يقول إن الله لغفور لما كان منكم من تقصير في شكر بعض ذلك إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته ، رحيم بكم لا يعذبكم بعد الإنابة والتوبة .