Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 90-90)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل ، وهو القسط والموازنة ، ويندب إلى الإحسان ، كقوله تعالى { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّـٰبِرينَ } النحل 126 ، وقوله { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } الشورى 40 ، وقال { وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } المائدة 45 إلى غير ذلك من الآيات الدالة على شرعية العدل ، والندب إلى الفضل . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ } قال شهادة أن لا إله إلا الله ، وقال سفيان بن عيينة ، العدل في هذا الموضع هو استواء السريرة والعلانية من كل عامل لله عملاً ، والإحسان أن تكون سريرته أحسن من علانيته ، والفحشاء والمنكر أن تكون علانيته أحسن من سريرته . وقوله { وَإِيتَآءِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ } أي يأمر بصلة الأرحام كما قال { وَءَاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا } الإسراء 26 . وقوله { وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ } فالفواحش المحرمات ، والمنكرات ما ظهر منها من فاعلها ، ولهذ قال في الموضع الآخر { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } الأعراف 33 وأما البغي ، فهو العدوان على الناس ، وقد جاء في الحديث " ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا ، مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة ، من البغي وقطيعة الرحم " وقوله { يَعِظُكُم } أي يأمركم بما يأمركم به من الخير ، وينهاكم عما ينهاكم عنه من الشر { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } وقال الشعبي عن بشير بن شكل سمعت ابن مسعود يقول إن أجمع آية في القرآن في سورة النحل { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ } الآية ، رواه ابن جرير ، وقال سعيد عن قتادة قوله { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ } الآية ، ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ، ويستحسنونه ، إلا أمر الله به ، وليس من خلق سيىء كانوا يتعايرونه بينهم ، إلا نهى الله عنه وقدم فيه . وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها . قلت ولهذا جاء في الحديث " إن الله يحب معالي الأخلاق ، ويكره سفسافها " وقال الحافظ أبو نُعيم في كتاب معرفة الصحابة حدثنا أبو بكر محمد بن الفتح الحنبلي ، حدثنا يحيى بن محمد مولى بني هاشم ، حدثنا الحسن بن داود المنكدري ، حدثنا عمر بن علي المقدمي عن علي بن عبد الملك بن عمير ، عن أبيه ، قال بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يأيته ، فأبى قومه أن يدعوه ، وقالوا أنت كبيرنا ، لم تكن لتخف إليه ، قال فليأته من يبلغه عني ويبلغني عنه ، فانتدب رجلان ، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقالا نحن رسل أكثم بن صيفي ، وهو يسألك من أنت ، وما أنت ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أما من أنا ، فأنا محمد بن عبد الله ، وأما ما أنا ؟ فأنا عبد الله ورسوله " قال ثم تلا عليهم هذه الآية { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ } الآية ، قالوا اردد علينا هذا القول ، فردده عليهم حتى حفظوه ، فأتيا أكثم فقالا أبى أن يرفع نسبه ، فسألنا عن نسبه ، فوجدناه زاكي النسب وسطاً في مضر - أي شريفاً - وقد رمى إلينا بكلمات قد سمعناها ، فلما سمعهن أكثم ، قال إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق ، وينهى عن ملائمها ، فكونوا في هذا الأمر رؤوساً ، ولا تكونوا أذناباً . وقد ورد في نزولها حديث حسن رواه الإمام أحمد حدثنا أبو النضر ، حدثنا عبد الحميد ، حدثنا شهر ، حدثني عبد الله بن عباس قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء بيته جالس ، إذ مر به عثمان بن مظعون ، فكشر إلى رسول الله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا تجلس ؟ " فقال بلى ، قال فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبله ، فبينما هو يحدثه ، إذ شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء ، فنظر ساعة إلى السماء ، فأخذ يضع بصره حتى وضعه على يمينه في الأرض ، فتحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره ، فأخذ ينغض رأسه كأنه يستفقه ما يقال له ، وابن مظعون ينظر ، فلما قضى حاجته ، واستفقه ما يقال له ، شخص بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء كما شخص أول مرة ، فأتبعه بصره حتى توارى إلى السماء ، فأقبل إلى عثمان بجلسته الأولى ، فقال يامحمد فيما كنت أجالسك ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة ، فقال " وما رأيتني فعلت ؟ " قال رأيتك شخص بصرك إلى السماء ، ثم وضعته حيث وضعته على يمينك ، فتحرفت إليه وتركتني ، فأخذت تنغض رأسك كأنك تستفقه شيئاً يقال لك ، قال " وفطنت لذلك ؟ " فقال عثمان نعم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتاني رسول الله آنفاً وأنت جالس " قال رسول الله ؟ قال " نعم " ، قال فما قال لك ؟ قال { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ } الآية ، قال عثمان فذلك حين استقر الإيمان في قلبي ، وأحببت محمداً صلى الله عليه وسلم ، إسناد جيد متصل حسن ، قد بين فيه السماع المتصل ، ورواه ابن أبي حاتم من حديث عبد الحميد بن بهرام مختصراً . حديث آخر عن عثمان بن أبي العاص الثقفي في ذلك ، قال الإمام أحمد حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا هريم عن ليث عن شهر بن حوشب ، عن عثمان بن أبي العاص قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ، إذ شخص بصره ، فقال " أتاني جبريل ، فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السورة { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ } الآية " وهذا إسناد لا بأس به ، ولعله عند شهر بن حوشب من الوجهين ، والله أعلم .