Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 13-14)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى بعد ذكر الزمان وذكر ما يقع فيه من أعمال بني آدم { وَكُلَّ إِنْسَـٰنٍ أَلْزَمْنَـٰهُ طَـٰئِرَهُ فِى عُنُقِهِ } وطائره هو ما طار عنه من عمله ، كما قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما من خير وشر ، ويلزم به ، ويجازى عليه ، { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } الزلزلة 7 8 وقال تعالى { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ق 17 18 وقال { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـٰفِظِينَ كِرَاماً كَـٰتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } الانفطار 10 12 وقال { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } الطور 16 وقال { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } الآية النساء 123 ، والمقصود أن عمل ابن آدم محفوظ عليه قليله وكثيره ، ويكتب عليه ليلاً ونهاراً ، صباحاً ومساء . وقال الإمام أحمد حدثنا قتيبة ، حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لطائر كل إنسان في عنقه " قال ابن لهيعة يعني الطيرة ، وهذا القول من ابن لهيعة في تفسير هذا الحديث غريب جداً ، والله أعلم . وقوله { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ كِتَابًا يَلْقَـٰهُ مَنْشُوراً } أي نجمع له عمله كله في كتاب يعطاه يوم القيامة إما بيمينه إن كان سعيداً ، أو بشماله إن كان شقياً ، منشوراً ، أي مفتوحاً يقرؤه هو وغيره ، فيه جميع عمله من أول عمره إلى آخره { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَـٰنُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ ٱلإِنسَـٰنُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } القيامة 13 15 ولهذا قال تعالى { ٱقْرَأْ كَتَـٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } أي إنك لم تظلم ، ولم يكتب عليك إلا ما عملت لأنك ذكرت جميع ما كان منك ، ولا ينسى أحد شيئاً مما كان منه ، وكل أحد يقرأ كتابه من كاتب وأمي . وقوله { أَلْزَمْنَـٰهُ طَـٰئِرَهُ فِى عُنُقِهِ } إنما ذكر العنق لأنه عضو من الأعضاء لا نظير له في الجسد ، ومن ألزم بشيء فيه فلا محيد له عنه ، كما قال الشاعر @ اذْهَبْ بها اذْهَبْ بِها طُوِّقْتَها طَوْقَ الحَمام @@ قال قتادة عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا عدوى ولا طيرة ، وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه " كذا رواه ابن جرير ، وقد رواه الإمام عبد بن حميد في مسنده متصلاً ، فقال حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " طير كل عبد في عنقه " . وقال الإمام أحمد حدثنا علي بن إسحاق ، حدثنا عبد الله ، حدثنا ابن ليهعة ، حدثني يزيد أن أبا الخير حدثه أنه سمع عقبة بن عامر رضي الله عنه ، يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس من عمل يوم إلا وهو يختم عليه ، فإذا مرض المؤمن ، قالت الملائكة يا ربنا عبدك فلان قد حبسته ، فيقول الرب جل جلاله اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت " إسناده جيد قوي ، ولم يخرجوه . وقال معمر عن قتادة { أَلْزَمْنَـٰهُ طَـٰئِرَهُ فِى عُنُقِهِ } قال عمله { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } قال نخرج ذلك العمل { كِتَابًا يَلْقَـٰهُ مَنْشُوراً } قال معمر وتلا الحسن البصري { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ } ق 17 يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك ، ووكل بك ملكان كريمان ، أحدهما عن يمينك ، والآخر عن شمالك ، فأما الذي عن يمينك ، فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن شمالك ، فيحفظ سيئاتك ، فاعمل ما شئت ، أقلل أو أكثر ، حتى إذا مت طويت صحيفتك ، فجعلت في عنقك معك في قبرك ، حتى تخرج يوم القيامة كتاباً تلقاه منشوراً ، اقرأ كتابك الآية ، فقد عدل والله من جعلك حسيب نفسك ، هذا من أحسن كلام الحسن ، رحمه الله .