Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 109-110)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى قل يا محمد لو كان ماء البحر مداداً للقلم الذي يكتب به كلمات الله ، وحكمه وآياته الدالة عليه ، لنفد البحر قبل أن يفرغ كتابة ذلك { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ } أي بمثل البحر آخر ، ثم آخر ، وهلم جراً ، بحور تمده ويكتب بها ، لما نفدت كلمات الله ، كما قال تعالى { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } لقمان 27 وقال الربيع بن أنس إن مثل علم العباد كلهم في علم الله كقطرة من ماء البحوركلها ، وقد أنزل الله ذلك { قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَـٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَـٰتُ رَبِّي } يقول لو كانت تلك البحور مداداً لكلمات الله ، والشجر كله أقلام ، لانكسرت الأقلام ، وفني ماء البحر ، وبقيت كلمات الله قائمة لا يفنيها شيء ، لأن أحداً لا يستطيع أن يقدر قدره ، ولا يثني عليه كما ينبغي ، حتى يكون هو الذي يثني على نفسه ، إن ربنا كما يقول ، وفوق ما نقول ، إن مثل نعيم الدنيا أولها وآخرها في نعيم الآخرة كحبة من خردل في خلال الأرض كلها . روى الطبراني من طريق هشام بن عمار عن إسماعيل بن عياش ، عن عمرو بن قيس الكوفي أنه سمع معاوية بن أبي سفيان قال هذه آخر آية أنزلت ، يقول تعالى لرسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه { قُلْ } لهؤلاء المشركين المكذبين برسالتك إليهم { إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } فمن زعم أني كاذب ، فليأت بمثل ما جئت به ، فإني لا أعلم الغيب فيما أخبرتكم به من الماضي عما سألتم من قصة أصحاب الكهف ، وخبر ذي القرنين مما هو مطابق في نفس الأمر ، ولولا ما أطلعني الله عليه ، وإنما أخبركم { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ } الذي أدعوكم إلى عبادته { إِلَـٰهٌ وَٰحِدٌ } لا شريك له { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ } أي ثوابه وجزاءه الصالح ، { فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـٰلِحاً } أي ما كان موافقاً لشرع الله { وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا } وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له ، وهذان ركنا العمل المتقبل ، لا بد أن يكون خالصاً لله ، صواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد روى ابن أبي حاتم من حديث معمر عن عبد الكريم الجزري عن طاوس قال قال رجل يا رسول الله إني أقف المواقف أريد وجه الله ، وأحب أن يرى موطني ، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً حتى نزلت هذه الآية { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـٰلِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا } وهكذا أرسل هذا مجاهد وغير واحد . وقال الأعمش حدثنا حمزة أبو عمارة مولى بني هاشم عن شهر بن حوشب قال جاء رجل إلى عبادة بن الصامت ، فقال أنبئني عما أسألك عنه ، أرأيت رجلاً يصلي يبتغي وجه الله ، ويحب أن يحمد ، ويصوم يبتغي وجه الله ، ويحب أن يحمد ، ويتصدق يبتغي وجه الله ، ويحب أن يحمد ، ويحج يبتغي وجه الله ، ويحب أن يحمد ، فقال عبادة ليس له شيء ، إن الله تعالى يقول أنا خير شريك ، فمن كان له معي شريك ، فهو له كله ، لا حاجة لي فيه . وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ، حدثنا كثير بن زيد عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه ، عن جده قال كنا نتناوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنبيت عنده ، تكون له الحاجة أو يطرقه أمر من الليل فيبعثنا ، فكثر المحتسبون وأهل النوب ، فكنا نتحدث ، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ما هذه النجوى ؟ " قال فقلنا تبنا إلى الله ، أي نبي الله إنما كنا في ذكر المسيح ، وفرقنا منه ، فقال " ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم من المسيح عندي ؟ " قال قلنا بلى ، قال " الشرك الخفي أن يقوم الرجل يصلي لمكان الرجل " . وقال الإمام أحمد حدثنا أبو النضر ، حدثنا عبد الحميد ، يعني ابن بهرام قال قال شهر بن حوشب قال ابن غنم لما دخلنا مسجد الجابية أنا وأبو الدراداء ، لقينا عبادة بن الصامت ، فأخذ يميني بشماله ، وشمال أبي الدرداء بيمينه ، فخرج يمشي بيننا ، ونحن نتناجى ، والله أعلم بما نتناجى به ، فقال عبادة بن الصامت إن طال بكما عمر أحدكما أو كليكما ، لتوشكان أن تريا الرجل من ثبج المسلمين ، يعني من وسط قراء القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فأعاده وأبدأه ، وأحلّ حلاله وحرّم حرامه ، ونزله عند منازله ، لا يَحُورُ فيكم إلا كما يَحُور رأس الحمار الميت . قال فبينما نحن كذلك ، إذ طلع شداد بن أوس رضي الله عنه ، وعوف بن مالك ، فجلسا إلينا ، فقال شداد إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس لما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من الشهوة الخفية والشرك " فقال عبادة بن الصامت وأبو الدرداء اللهم غفراً ، ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدثنا أن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب ؟ أما الشهوة الخفية ، فقد عرفناها ، هي شهوات الدنيا من نسائها وشهواتها ، فما هذا الشرك الذي تخوفنا به يا شداد ؟ فقال شداد أرأيتكم لو رأيتم رجلاً يصلي لرجل ، أو يصوم لرجل ، أو يتصدق له ، أترون أنه قد أشرك ؟ قالوا نعم والله ، إن من صلى لرجل ، أو صام أو تصدق له ، لقد أشرك ، فقال شداد فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من صلى يرائي فقد أشرك ، ومن صام يرائي فقد أشرك ، ومن تصدق يرائي فقد أشرك " فقال عوف بن مالك عند ذلك أفلا يعمد إلله إلى ما ابتغي به وجهه من ذلك العمل كله فيقبل ما خلص له ، ويدع ما أشرك به ؟ فقال شداد عند ذلك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله يقول أنا خير قسيم لمن أشرك بي ، من أشرك بي شيئاً ، فإن عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به ، أنا عنه غني " . طريق أخرى لبعضه قال الإمام أحمد حدثنا زيد بن الحباب ، حدثني عبد الواحد بن زياد ، أخبرنا عبادة بن نسي عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنه بكى ، فقيل له ما يبكيك ؟ قال شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبكاني ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أتخوف على أمتي الشرك والشهوة الخفية " قلت يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك ؟ قال " نعم أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ، ولكن يراؤون بأعمالهم ، والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائماً ، فتعرض له شهوة من شهواته ، فيترك صومه " ورواه ابن ماجه من حديث الحسن بن ذكوان عن عبادة بن نسي به ، وعبادة فيه ضعف ، وفي سماعه من شداد نظر . حديث آخر قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا الحسين بن علي بن جعفر الأحمر ، حدثنا علي بن ثابت ، حدثنا قيس بن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول الله يوم القيامة أنا خير شريك ، من أشرك بي أحداً ، فهو له كله " ، وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، سمعت العلاء يحدث عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن الله عز وجل أنه قال " أنا خير الشركاء ، فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري ، فأنا بريء منه ، وهو للذي أشرك " تفرد به من هذا الوجه . حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا يونس ، حدثنا الليث عن يزيد ، يعني ابن الهاد ، عن عمرو عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال " الرياء ، يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا ، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء " . حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن بكر ، أخبرنا عبد الحميد ، يعني ابن جعفر ، أخبرني أبي عن زياد بن ميناء عن أبي سعيد بن أبي فضالة الأنصاري ، وكان من الصحابة أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمل عمله لله أحداً ، فليطلب ثوابه من عند غير الله ، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك " وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث محمد ، وهو البرساني به . حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا أحمد بن عبد الملك ، حدثنا بكار ، حدثني أبي - يعني عبد العزيز بن أبي بكرة - عن أبي بكرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سمع ، سمع الله به ، ومن راءى ، راءى الله به " وقال الإمام أحمد حدثنا معاوية ، حدثنا شيبان عن فراس عن عطية عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من يرائي يرائي الله به ، ومن يسمع يسمع الله به " . حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة ، حدثني عمرو بن مرة قال سمعت رجلاً في بيت أبي عبيدة أنه سمع عبد الله بن عمرو يحدث ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من سمع الناس بعمله ، سمع الله به ، سامع خلقه وصغره وحقره " فذرفت عينا عبد الله . وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا عمرو بن يحيى الأيلي ، حدثنا الحارث بن غسان ، حدثنا أبو عمران الجوني عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تعرض أعمال بني آدم بين يدي الله عز وجل يوم القيامة في صحف مختمة ، فيقول الله ألقوا هذا واقبلوا هذا ، فتقول الملائكة يا رب والله ما رأينا منه إلا خيراً ، فيقول إن عمله كان لغير وجهي ، ولا أقبل اليوم من العمل إلا ما أريد به وجهي " ثم قال الحارث بن غسان روى عنه جماعة ، وهو ثقة بصري ، ليس به بأس ، وقال ابن وهب حدثني يزيد بن عياض عن عبد الرحمن الأعرج ، عن عبد الله بن قيس الخزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من قام رياء وسمعة ، لم يزل في مقت الله حتى يجلس " . وقال أبو يعلى حدثنا محمد بن أبي بكر ، حدثنا محمد بن دينار عن إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص عن عوف بن مالك عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحسن الصلاة حيث يراه الناس ، وأساءها حيث يخلو ، فتلك استهانة استهان بها ربه عز وجل " وقال ابن جرير حدثنا أبو عامر إسماعيل بن عمرو السكوني ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا ابن عياش ، حدثنا عمرو بن قيس الكندي أنه سمع معاوية بن أبي سفيان تلا هذه الآية { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ } الآية ، وقال إنها آخر آية نزلت من القرآن . وهذا أثر مشكل ، فإن هذه الآية آخر سورة الكهف ، والكهف كلها مكية ، ولعل معاوية أراد أنه لم ينزل بعدها آية تنسخها ، ولا تغير حكمها ، بل هي مثبتة محكمة ، فاشتبه ذلك على بعض الرواة ، فروى بالمعنى على ما فهمه ، والله أعلم . وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، حدثنا النضر بن شميل ، حدثنا أبو قرة عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ في ليلة { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ } الآية ، كان له من النور من عدن أبين إلى مكة حشو ذلك النور الملائكة " غريب جداً . آخر تفسير سورة الكهف ولله الحمد .