Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 37-41)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مخبراً عما أجابه به صاحبه المؤمن ، واعظاً له وزاجراً عما هو فيه من الكفر بالله والاغترار { أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ } الآية ، وهذا إنكار وتعظيم لما وقع فيه من جحود ربه الذي خلقه ، وابتدأ خلق الإنسان من طين وهو آدم ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين كما قال تعالى { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَٰتًا فَأَحْيَـٰكُمْ } البقرة 28 الآية ، أي كيف تجحدون ربكم ودلالته عليكم ظاهرة جلية ، كل أحد يعلمها من نفسه ، فإنه ما من أحد من المخلوقات إلا ويعلم أنه كان معدوماً ، ثم وجد ، وليس وجوده من نفسه ، ولا مستنداً إلى شيء من المخلوقات لأنه بمثابته ، فعلم إسناد إيجاده إلى خالقه ، وهو الله لا إله إلا هو خالق كل شيء ، ولهذا قال المؤمن { لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي } أي لكن أنا لا أقول بمقالتك ، بل أعترف لله بالوحدانية والربوبية ، { وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا } أي بل هو الله المعبود وحده لا شريك له . ثم قال { وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَدًا } هذا تحضيض وحث على ذلك ، أي هلا إذ أعجبتك حين دخلتها ، ونظرت إليها ، حمدت الله على ما أنعم به عليك ، وأعطاك من المال والولد ما لم يعطه غيرك ، وقلت ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله ، ولهذا قال بعض السلف من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو ولده ، فليقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، وهذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة . وقد روي فيه حديث مرفوع ، أخرجه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده حدثنا جراح بن مخلد ، حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا عيسى بن عون ، حدثنا عبد الملك بن زرارة عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد ، فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، فيرى فيه آفة دون الموت " وكان يتأول هذه الآية { وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } قال الحافظ أبو الفتح الأزدي عيسى بن عون عن عبد الملك بن زرارة عن أنس لا يصحّ حديثه . وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة وحجاج ، حدثني شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبيد مولى أبي رهم ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا قوة إلا بالله " تفرّد به أحمد . وقد ثبت في الصحيح عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له " ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله " وقال الإمام أحمد حدثنا بكر بن عيسى ، حدثنا أبو عَوَانة عن أبي بَلْج عن عمرو بن ميمون قال قال أبو هريرة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أبا هريرة ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش ؟ " قال قلت نعم فداك أبي وأمي . قال " أن تقول لا قوة إلا بالله " قال أبو بلج وأحسب أنه قال " فإن الله يقول أسلم عبدي واستسلم " قال فقلت لعمرو قال أبو بلج قال عمرو قلت لأبي هريرة لا حول ولا قوة إلا بالله ؟ فقال لا ، إنها في سورة الكهف { وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } . وقوله { فعسَىٰ رَبِّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ } أي في الدار الآخرة ، { وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا } أي على جنتك في الدنيا التي ظننت أنها لا تبيد ولا تفنى { حُسْبَانًا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } قال ابن عباس والضحاك وقتادة ومالك عن الزهري أي عذاباً من السماء ، والظاهر أنه مطر عظيم مزعج يقلع زرعها وأشجارها ، ولهذا قال { فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا } أي بلقاً تراباً أملس لا يثبت فيه قدم ، وقال ابن عباس كالجرز الذي لا ينبت شيئاً . وقوله { أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْرًا } أي غائراً في الأرض ، وهو ضد النابع الذي يطلب وجه الأرض ، فالغائر يطلب أسفلها ، كما قال تعالى { قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ } الملك 30 أي جار وسائح ، وقال ههنا { أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا } والغور مصدر بمعنى غائر ، وهو أبلغ منه ، كما قال الشاعر @ تَظَل جِيادُهُ نَوْحاً عَلَيْهِ تُقَلِّدُه أَعِنَّتَها صُفوفاً @@ بمعنى نائحات عليه .