Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 45-46)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى { وَٱضْرِبْ } يا محمد للناس { مَثَلَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } في زوالها وفنائها وانقضائها { كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } أي ما فيها من الحب ، فشب وحسن ، وعلاه الزهر والنور والنضرة ، ثم بعد هذا كله { فَأَصْبَحَ هَشِيمًا } يابساً { تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ } أي تفرقه وتطرحه ذات اليمين وذات الشمال ، { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا } أي هو قادر على هذه الحال وهذه الحال ، وكثيراً ما يضرب الله مثل الحياة الدنيا بهذا المثل كما قال تعالى في سورة يونس { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأَنْعَـٰمُ } يونس 24 الآية ، وقال في الزمر { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ } الزمر 21 الآية ، وقال في سورة الحديد { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلْـٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ } الحديد 20 الآية ، وفي الحديث الصحيح " الدنيا خضرة حلوة " وقوله { ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } كقوله { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَـٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ } آل عمران 14 الآية ، وقال تعالى { إِنَّمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَأَوْلَـٰدُكُمْ فِتْنَةٌ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } التغابن 15 أي الإقبال عليه ، والتفرّغ لعبادته ، خير لكم من اشتغالكم بهم ، والجمع لهم ، والشفقة المفرطة عليهم ، ولهذا قال { وَٱلْبَـٰقِيَاتُ ٱلصَّـٰلِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً } . قال ابن عباس وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف الباقيات الصالحات الصلوات الخمس . وقال عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير عن ابن عباس الباقيات الصالحات سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وهكذا سئل أمير المؤمنين عثمان بن عفان عن الباقيات الصالحات ما هي ؟ فقال هي لا إله إلا الله ، وسبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، رواه الإمام أحمد ، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرىء ، حدثنا حَيْوَة ، حدثنا أبو عقيل أنه سمع الحارث مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول جلس عثمان يوماً ، وجلسنا معه ، فجاءه المؤذن ، فدعا بماء في إناء ، أظنه سيكون فيه مد ، فتوضأ ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا ، ثم قال " من توضأ وضوئي هذا ، ثم قام فصلى صلاة الظهر غفر له ما كان بينها وبين الصبح ، ثم صلى العصر ، غفر له ما بينها وبين الظهر ، ثم صلى المغرب ، غفر له ما بينها وبين العصر ، ثم صلى العشاء ، غفر له ما بينها وبين المغرب ، ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته ، ثم إن قام فتوضأ ، وصلى صلاة الصبح ، غفر له ما بينها وبين صلاة العشاء ، وهي الحسنات يذهبن السيئات " قالوا هذه الحسنات ، فما الباقيات الصالحات يا عثمان ؟ قال لا إله إلا الله ، وسبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، تفرد به . وروى مالك عن عمارة بن عبد الله بن صياد عن سعيد بن المسيب قال الباقيات الصالحات سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وقال محمد بن عجلان عن عمارة قال سألني سعيد بن المسيب عن الباقيات الصالحات ، فقلت الصلاة والصيام ، فقال لم تصب ، فقلت الزكاة والحج ، فقال لم تصب ، ولكنهن الكلمات الخمس لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . وقال ابن جريج أخبرني عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم عن نافع بن سرجس أنه أخبره أنه سأل ابن عمر عن الباقيات الصالحات . قال لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، قال ابن جريج وقال عطاء بن أبي رباح مثل ذلك . وقال مجاهد الباقيات الصالحات سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الحسن وقتادة في قوله { وَٱلْبَـٰقِيَاتُ ٱلصَّـٰلِحَاتُ } قال لا إله إلا الله ، والله أكبر ، والحمد لله ، وسبحان الله ، هن الباقيات الصالحات ، قال ابن جرير وجدت في كتابي عن الحسن بن الصباح البزار ، عن أبي نصر التمار عن عبد العزيز بن مسلم ، عن محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبيه ، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، هن الباقيات الصالحات " قال وحدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث أن درّاجاً أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " استكثروا من الباقيات الصالحات " قيل وما هن يا رسول الله ؟ قال " الملة " قيل وما هي يا رسول الله ؟ قال " التكبير ، والتهليل ، والتسبيح ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله " وهكذا رواه أحمد من حديث دراج به . قال ابن وهب أخبرني أبو صخر أن عبد الله بن عبد الرحمن مولى سالم بن عبد الله حدثه قال أرسلني سالم إلى محمد بن كعب القرظي في حاجة ، فقال قل له القني عند زاوية القبر ، فإن لي إليك حاجة ، قال فالتقيا ، فسلم أحدهما على الآخر ، ثم قال سالم ما تعد الباقيات الصالحات ؟ فقال لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فقال له سالم متى جعلت فيها لا حول ولا قوة إلا بالله ؟ قال ما زلت أجعلها ، قال فراجعه مرتين أو ثلاثاً ، فلم ينزع ، قال فأبيت ؟ قال سالم أجل فأبيت فإن أبا أيوب الأنصاري حدثني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول " عرج بي إلى السماء ، فأريت إبراهيم عليه السلام ، فقال يا جبريل من هذا الذي معك ؟ فقال محمد ، فرحب بي وسهل ، ثم قال مر أمتك فلتكثر من غراس الجنة ، فإن تربتها طيبة ، وأرضها واسعة ، فقلت وما غراس الجنة ؟ فقال لا حول ولا قوة إلا بالله " . وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن يزيد عن العوام ، حدثني رجل من الأنصار من آل النعمان بن بشير ، قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في المسجد بعد صلاة العشاء ، فرفع بصره إلى السماء ثم خفض ، حتى ظننا أنه قد حدث في السماء شيء ، ثم قال " أما إنه سيكون بعدي أمراء يكذبون ويظلمون ، فمن صدقهم بكذبهم ، ومالأهم على ظلمهم ، فليس مني ، ولست منه ، ومن لم يصدقهم بكذبهم ، ولم يمالئهم على ظلمهم ، فهو مني وأنا منه . ألا وإن سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، هن الباقيات الصالحات " . وقال الإمام أحمد حدثنا عفان ، حدثنا أبان ، حدثنا يحيى بن أبي كثير عن زيد عن أبي سلام ، عن مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، والولد الصالح يتوفى فيحتسبه والده ــــ وقال بخ بخ لخمس من لقي الله مستيقناً بهن دخل الجنة يؤمن بالله واليوم الآخر ، وبالجنة والنار ، وبالبعث بعد الموت ، وبالحساب " وقال الإمام أحمد حدثنا روح ، حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية ، قال كان شداد بن أوس رضي الله عنه في سفر ، فنزل منزلاً ، فقال لغلامه ائتنا بالشفرة نعبث بها ، فأنكرت عليه ، فقال ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا أخطمها وأزمها غير كلمتي هذه ، فلا تحفظوها علي ، واحفظوا ما أقول لكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا كنز الناس الذهب والفضة ، فاكنزوا أنتم هؤلاء الكلمات اللهم إني أسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد ، وأسألك شكر نعمتك ، وأسألك حسن عبادتك ، وأسألك قلباً سليماً ، وأسألك لساناً صادقاً ، وأسألك من خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم ، إنك أنت علام الغيوب " ثم رواه أيضا النسائي من وجه آخر عن شداد بنحوه . وقال الطبراني حدثنا عبد الله بن ناجية ، حدثنا محمد بن سعد العوفي ، حدثني أبي ، حدثنا عمي الحسين عن يونس بن نفيع الجدلي ، عن سعد بن جنادة رضي الله عنه قال كنت في أول من أتى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الطائف ، فخرجت من أهلي من السراة غدوة ، فأتيت منى عند العصر ، فتصاعدت في الجبل ، ثم هبطت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت ، وعلمني { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الإخلاص 1 و { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } الزلزلة 1 وعلمني هؤلاء الكلمات سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وقال " هن الباقيات الصالحات " وبهذا الإسناد " من قام من الليل ، فتوضأ ومضمض فاه ، ثم قال سبحان الله مائة مرة ، والحمد لله مائة مرة ، والله أكبر مائة مرة ، ولا إله إلا الله مائة مرة ، غفرت ذنوبه ، إلا الدماء فإنها لا تبطل " وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله { وَٱلْبَـٰقِيَاتُ ٱلصَّـٰلِحَاتُ } قال هي ذكر الله ، قول لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، وتبارك الله ، ولاحول ولاقوة إلا بالله ، وأستغفر الله ، وصلى الله على رسول الله ، والصيام ، والصلاة ، والحج ، والصدقة ، والعتق ، والجهاد ، والصلة ، وجميع أعمال الحسنات ، وهن الباقيات الصالحات التي تبقى لأهلها في الجنة ما دامت السموات والأرض . وقال العوفي عن ابن عباس هي الكلام الطيب . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هي الأعمال الصالحة كلها ، واختاره ابن جرير رحمه الله .