Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 92-96)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مخبراً عن ذي القرنين { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } أي ثم سلك طريقاً من مشارق الأرض ، حتى إذا بلغ بين السدين ، وهما جبلان متناوحان ، بينهما ثغرة يخرج منها يأجوج ومأجوج على بلاد الترك ، فيعيثون فيها فساداً ، ويهلكون الحرث والنسل ، ويأجوج ومأجوج من سلالة آدم عليه السلام كما ثبت في " الصحيحين " " إن الله تعالى يقول يا آدم فيقول لبيك وسعديك فيقول ابعث بعث النار ، فيقول وما بعث النار ؟ فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار ، وواحد إلى الجنة ، فحينئذ يشيب الصغير ، وتضع كل ذات حمل حملها ، فقال إن فيكم أمّتين ، ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج " ، وقد حكى النووي رحمه الله في " شرح مسلم " عن بعض الناس أن يأجوج ومأجوج خلقوا من مني خرج من آدم ، فاختلط بالتراب ، فخلقوا من ذلك ، فعلى هذا يكونون مخلوقين من آدم ، وليسوا من حواء ، وهذا قول غريب جداً لا دليل عليه ، لا من عقل ولا من نقل ، ولا يجوز الاعتماد ههنا على ما يحكيه بعض أهل الكتاب لما عندهم من الأحاديث المفتعلة ، والله أعلم . وفي مسند الإمام أحمد عن سمرة . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ولد نوح ثلاثة سام أبو العرب ، وحام أبو السودان ، ويافث وهو أبو الترك " ، قال بعض العلماء هؤلاء من نسل يافث أبي الترك ، وقال إنما سمي هؤلاء تركاً لأنهم تركوا من وراء السد من هذه الجهة ، وإلا فهم أقرباء أولئك ، ولكن كان في أولئك بغي وفساد وجراءة ، وقد ذكر ابن جرير ههنا عن وهب بن منبه أثراً طويلاً عجيباً في سير ذي القرنين وبنائه السد ، وكيفية ما جرى له ، وفيه طول وغرابة ونكارة في أشكالهم وصفاتهم وطولهم وقصر بعضهم وآذانهم . وروى ابن أبي حاتم عن أبيه في ذلك أحاديث غريبة لا تصح أسانيدها ، والله أعلم . وقوله { وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } أي لاستعجام كلامهم ، وبعدهم عن الناس { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } قال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أجراً عظيماً ، يعني أنهم أرادوا أن يجمعوا له من بينهم مالاً يعطونه إياه حتى يجعل بينه وبينهم سداً ، فقال ذو القرنين بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير { مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ } أي إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه كما قال سليمان عليه السلام { أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ ءَاتَـٰنِى ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ ءَاتَـٰكُم } النمل 36 الآية ، وهكذا قال ذو القرنين الذي أنا فيه خير من الذي تبذلونه ، ولكن ساعدوني بقوة ، أي بعملكم وآلات البناء { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ءَاتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ } والزبر جمع زبرة ، وهي القطعة منه ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة ، وهي كاللبنة ، يقال كل لبنة زنة قنطار بالدمشقي ، أو تزيد عليه { حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ } أي وضع بعضه على بعض من الأساس ، حتى إذا حاذى به رؤوس الجبلين طولاً وعرضاً ، واختلفوا في مساحة عرضه وطوله على أقوال { قَالَ ٱنفُخُواْ } أي أجج عليه النار حتى صار كله ناراً { قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة والسدي هو النحاس ، زاد بعضهم المذاب ، ويستشهد بقوله تعالى { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ } سبأ 12 ولهذا يشبه بالبُرُد المحبَّر . قال ابن جرير حدثنا بشر عن يزيد حدثنا سعيد عن قتادة قال ذكر لنا أن رجلاً قال يا رسول الله قد رأيت سد يأجوج ومأجوج ، قال " انعته لي " قال كالبرد المحبر طريقة سوداء ، وطريقة حمراء ، قال " قد رأيته " هذا حديث مرسل . وقد بعث الخليفة الواثق في دولته أحد أمرائه ، وجهز معه جيشاً سرية لينظروا إلى السد ويعاينوه وينعتوه له إذا رجعوا ، فتوصلوا من بلاد إلى بلاد ، ومن ملك إلى ملك ، حتى وصلوا إليه ، ورأوا بناءه من الحديد ومن النحاس ، وذكروا أنهم رأوا فيه باباً عظيماً ، وعليه أقفال عظيمة ، ورأوا بقية اللبن والعمل في برج هناك ، وأن عنده حرساً من الملوك المتاخمة له ، وأنه عال منيف شاهق لا يستطاع ، ولا ما حوله من الجبال ، ثم رجعوا إلى بلادهم ، وكانت غيبتهم أكثر من سنتين ، وشاهدوا أهوالاً وعجائب . ثم قال الله تعالى