Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 96-98)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات ، وهي الأعمال التي ترضي الله عز وجل لمتابعتها الشريعة المحمدية - يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبة ومودة ، وهذا أمر لا بد منه ، ولا محيد عنه ، وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير وجه . قال الإمام أحمد حدثنا عفان ، حدثنا أبو عوانة ، حدثنا سهيل عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال يا جبريل ، إني أحب فلاناً ، فأحبه ، قال فيحبه جبريل ، قال ثم ينادي في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه ، قال فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض ، وإن الله إذا أبغض عبداً دعا جبريل فقال يا جبريل إني أبغض فلاناً ، فأبغضه ، قال فيبغضه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلاناً ، فأبغضوه ، قال فيبغضه أهل السماء ، ثم يوضع له البغضاء في الأرض " ورواه مسلم من حديث سهيل ، ورواه أحمد والبخاري من حديث ابن جريج عن موسى بن عقبة ، عن نافع مولى ابن عمر ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه . وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا ميمون أبو محمد المرائي ، حدثنا محمد بن عباد المخزومي عن ثوبان رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن العبد ليلتمس مرضاة الله عز وجل ، فلا يزال كذلك ، فيقول الله عز وجل لجبريل إن فلاناً عبدي يلتمس أن يرضيني ، ألا وإن رحمتي عليه ، فيقول جبريل رحمة الله على فلان ، ويقولها حملة العرش ، ويقولها من حولهم ، حتى يقولها أهل السموات السبع ، ثم يهبط إلى الأرض " غريب . ولم يخرجوه من هذا الوجه . وقال الإمام أحمد حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا شريك عن محمد ابن سعد الواسطي عن أبي ظبية ، عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن المقة من الله - قال شريك هي المحبة - والصيت في السماء ، فإذا أحب الله عبداً ، قال لجبريل عليه السلام إني أحب فلاناً ، فينادي جبريل إن ربكم يمق - يعني يحب - فلاناً ، فأحبوه - أرى شريكاً قد قال فتنزل له المحبة في الأرض - وإذا أبغض عبداً ، قال لجبريل إني أبغض فلاناً ، فأبغضه ، قال فينادي جبريل إن ربكم يبغض فلاناً ، فأبغضوه - أرى شريكاً قال فيجري له البغض في الأرض " غريب ، ولم يخرجوه . قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا أبو داود الحفري ، حدثنا عبد العزيز - يعني ابن محمد - وهو الدراوردي عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أحب الله عبداً نادى جبريل إني قد أحببت فلاناً فأحبه ، فينادي في السماء ، ثم ينزل له المحبة في أهل الأرض " ، فذلك قول الله عز وجل { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } ، رواه مسلم والترمذي ، كلاهما عن عبد الله عن قتيبة ، عن الدراوردي به . وقال الترمذي حسن صحيح . وقال علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } قال حباً ، وقال مجاهد عنه { سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } ، قال محبة في الناس في الدنيا ، وقال سعيد بن جبير عنه يحبهم ويحببهم ، يعني إلى خلقه المؤمنين ، كما قال مجاهد أيضاً والضحاك وغيرهم . وقال العوفي عن ابن عباس أيضاً الود من المسلمين في الدنيا ، والرزق الحسن ، واللسان الصادق . وقال قتادة { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } إيْ والله في قلوب أهل الإيمان . وذكر لنا أن هرم بن حيان كان يقول ما أقبل عبد بقلبه إلى الله ، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم . وقال قتادة وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول ما من عبد يعمل خيراً أو شراً ، إلا كساه الله عز وجل رداء عمله . وقال ابن أبي حاتم رحمه الله حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن ابن مهدي عن الربيع بن صبيح عن الحسن البصري رحمه الله قال قال رجل والله لأعبدن الله عبادة أذكر بها ، فكان لا يرى في حين صلاة إلا قائماً يصلي ، وكان أول داخل إلى المسجد وآخر خارج ، فكان لا يعظم ، فمكث بذلك سبعة أشهر ، وكان لا يمر على قوم إلا قالوا انظروا إلى هذا المرائي ، فأقبل على نفسه فقال لا أراني أذكر إلا بشر ، لأجعلن عملي كله لله عز وجل ، فلم يزد على أن قلب نيته ، ولم يزد على العمل الذي كان يعمله ، فكان يمر بعد بالقوم فيقولون رحم الله فلاناً الآن ، وتلا الحسن { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } وقد روى ابن جرير أثراً أن هذه الآية نزلت في هجرة عبد الرحمن بن عوف ، وهو خطأ ، فإن هذه السورة بكمالها مكية ، لم ينزل منها شيء بعد الهجرة ، ولم يصح سند ذلك ، والله أعلم . وقوله { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَـٰهُ } يعني القرآن { بِلَسَانِكَ } أي يا محمد وهو اللسان العربي المبين الفصيح الكامل { لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ } أي المستجيبين لله ، المصدقين لرسوله ، { وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً } أي عوجاً عن الحق ، مائلين إلى الباطل . وقال ابن أبي نجيج عن مجاهد { قَوْماً لُّدّاً } لا يستقيمون . وقال الثوري عن إسماعيل ، وهو السدي عن أبي صالح { وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً } عوجاً عن الحق ، وقال الضحاك الألد الخصم . وقال القرظي الألد الكذاب . وقال الحسن البصري { قَوْماً لُّدّاً } صماً ، وقال غيره صم آذان القلوب . وقال قتادة قوماً لداً ، يعني قريشاً . وقال العوفي عن ابن عباس { قَوْماً لُّدّاً } فجاراً ، وكذا روى ليث بن أبي سليم عن مجاهد . وقال ابن زيد الألد الظلوم ، وقرأ قوله تعالى { وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } البقرة 204 . وقوله { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ } أي من أمة كفروا بآيات الله ، وكذبوا رسله { هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً } أي هل ترى منهم أحداً ، أو تسمع لهم ركزاً ؟ وقال ابن عباس وأبو العالية وعكرمة والحسن البصري وسعيد بن جبير والضحاك وابن زيد يعني صوتاً ، وقال الحسن وقتادة هل ترى عيناً ، أو تسمع صوتاً ؟ والركز في أصل اللغة هو الصوت الخفي . قال الشاعر @ فَتَوَجَّسَتْ رِكْزَ الأَنِيْسِ فَراعَها عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ والأنيسُ سَقامُها @@ آخر تفسير سورة مريم . ولله الحمد والمنّة . ويتلوه إن شاء الله تفسير سورة طه والحمد لله .