Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 159-162)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا وعيد شديد لمن كتم ما جاء به الرسل من الدلالات البينة على المقاصد الصحيحة ، والهدى النافع للقلوب من بعد ما بينه الله تعالى لعباده من كتبه التي أنزلها على رسله ، قال أبو العالية نزلت في أهل الكتاب ، كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ثم أخبر أنهم يلعنهم كل شيء على صنيعهم ذلك ، فكما أن العالم يستغفر له كل شيء حتى الحوت في الماء ، والطير في الهواء ، فهؤلاء بخلاف العلماء ، فيلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ، وقد ورد في الحديث المسند من طرائق يشد بعضها بعضاً عن أبي هريرة وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من سئل عن علم فكتمه ، ألجم يوم القيامة بلجام من نار " والذي في الصحيح عن أبي هريرة أنه قال لولا آية في كتاب الله ، ما حدثت أحداً شيئاً { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَـٰتِ وَٱلْهُدَىٰ } الآية ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عمار ابن محمد عن ليث بن أبي سليم عن المنهال بن عمرو ، عن زاذان أبي عمرو ، عن البراء بن عازب ، قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة ، فقال " إن الكافر يضرب ضربة بين عينيه ، يسمعها كل دابة غير الثقلين ، فتلعنه كل دابة سمعت صوته ، فذلك قول الله تعالى { أُولَـٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ } يعني دواب الأرض " ورواه ابن ماجة عن محمد بن الصباح ، عن عامر بن محمد به ، وقال عطاء بن أبي رباح كل دابة والجن والإنس ، وقال مجاهد إذا أجدبت الأرض ، قال البهائم هذا من أجل عصاة بني آدم ، لعن الله عصاة بني آدم ، وقال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة { وَيَلْعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ } يعني تلعنهم الملائكة والمؤمنون ، وقد جاء في الحديث أن العالم يستغفر له كل شيء ، حتى الحيتان في البحر ، وجاء في هذه الآية أن كاتم العلم يلعنه الله والملائكة والناس أجمعون ، واللاعنون أيضاً ، وهم كل فصيح وأعجمي ، إما بلسان المقال ، أو الحال ، أن لو كان له عقل ، ويوم القيامة ، والله أعلم . ثم استثنى الله تعالى من هؤلاء من تاب إليه ، فقال { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ } أي رجعوا عما كانوا فيه ، وأصلحوا أعمالهم ، وبينوا للناس ما كانوا يكتمونه { فَأُوْلَـٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } وفي هذا دلالة على أن الداعية إلى كفر ، أو بدعة ، إذا تاب إلى الله ، تاب الله عليه . وقد ورد أن الأمم السابقة لم تكن التوبة تقبل من مثل هؤلاء منهم ، ولكن هذا من شريعة نبي التوبة ونبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه ، ثم أخبر تعالى عمن كفر به واستمر به الحال إلى مماته بأنّ { عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلـٰئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } أي في اللعنة التابعة لهم إلى يوم القيامة ، ثم المصاحبة ، لهم في نار جهنم التي { لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ } فيها ، أي لا ينقص عما هم فيه { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي لا يغير عنهم ساعة واحدة ، ولا يفتر ، بل هو متواصل دائم ، فنعوذ بالله من ذلك . قال أبو العالية وقتادة إن الكافر يوقف يوم القيامة ، فيلعنه الله ، ثم تلعنه الملائكة ، ثم يلعنه الناس أجمعون . فصل لا خلاف في جواز لعن الكفار ، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن بعده من الأئمة ، يلعنون الكفرة في القنوت وغيره ، فأما الكافر المعين ، فقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا يلعن لأنا لا ندري بما يختم الله له ، واستدل بعضهم بالآية { إِن ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلـٰئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } وقالت طائفة أخرى بل يجوز لعن الكافر المعين ، واختاره الفقيه أبو بكر بن العربي المالكي ، ولكنه احتج بحديث فيه ضعف ، واستدل غيره بقوله عليه السلام في قصة الذي كان يؤتى به سكران فيحده ، فقال رجل لعنه الله ، ما أكثر ما يؤتى به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله " فدل على أن من لا يحب الله ورسوله يلعن ، والله أعلم .