Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 190-193)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله تعالى { وَقَـٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ } قال هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة ، فلما نزلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله ، ويكف عمن كف عنه ، حتى نزلت سورة براءة ، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، حتى قال هذه منسوخة بقوله { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } التوبة 5 وفي هذا نظر لأن قوله { ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ } إنما هو تهييج وإغراء بالأعداء الذين همتهم قتال الإسلام وأهله ، أي كما يقاتلونكم ، فاقتلوهم أنتم ، كما قال { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَـٰتِلُونَكُمْ كَآفَّةً } التوبة 36 ولهذا قال في الآية { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ } أي لتكون همتكم منبعثة على قتالهم ، كما همتهم منبعثة على قتالكم ، وعلى إخراجهم من بلادهم التي أخرجوكم منها قصاصاً . وقوله { وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } أي قاتلوا في سبيل الله ، ولا تعتدوا في ذلك ، ويدخل في ذلك ارتكاب المناهي ، كما قاله الحسن البصري من المثلة والغلول وقتل النساء والصبيان والشيوخ ، الذين لا رأي لهم ، ولا قتال فيهم ، والرهبان وأصحاب الصوامع ، وتحريق الأشجار ، وقتل الحيوان لغير مصلحة ، كما قال ذلك ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومقاتل بن حيان وغيرهم ، ولهذا جاء في صحيح مسلم ، عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " اغزوا في سبيل الله ، وقاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا الوليد ، ولا أصحاب الصوامع " رواه الإمام أحمد . وعن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال " اخرجوا باسم الله ، قاتلوا في سبيل الله من كفر بالله ، لا تعتدوا ولا تغلوا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا الولدان ، ولا أصحاب الصوامع " رواه الإمام أحمد ، ولأبي داود عن أنس مرفوعاً نحوه ، وفي الصحيحين عن ابن عمر قال وجدت امرأة في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة ، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان . وقال الإمام أحمد حدثنا مصعب بن سلام ، حدثنا الأجلح عن قيس بن أبي مسلم ، عن ربعي بن حراش ، قال سمعت حذيفة يقول ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمثالاً واحداً وثلاثة وخمسة وسبعة وتسعة ، وأحد عشر ، فضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منها مثلاً ، وترك سائرها ، قال " إن قوماً كانوا أهل ضعف ومسكنة قاتلهم أهل تجبر وعداوة ، فأظهر الله أهل الضعف عليهم ، فعمدوا إلى عدوهم ، فاستعملوهم وسلطوهم ، فأسخطوا الله عليهم إلى يوم القيامة " هذا حديث حسن الإسناد ، ومعناه أن هؤلاء الضعفاء لما قدروا على الأقوياء ، فاعتدوا عليهم ، فاستعملوهم فيما لا يليق بهم ، أسخطوا الله عليهم بسبب هذا الاعتداء ، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة جداً . ولما كان الجهاد فيه إزهاق النفوس وقتل الرجال ، نبه تعالى على أن ماهم مشتملون عليه من الكفر بالله ، والشرك به ، والصد عن سبيله ، أبلغ وأشد وأعظم وأطم من القتل ، ولهذا قال { وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ } قال أبو مالك أي ما أنتم مقيمون عليه أكبر من القتل . وقال أبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس في قوله { وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ } ، يقول الشرك أشد من القتل ، وقوله { وَلاَ تُقَـٰتِلُوهُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } كما جاء في الصحيحين " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، ولم يحل إلا ساعة من نهار ، وإنها ساعتي هذه ، حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شجره ، ولا يختلى خلاه ، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا إن الله أذن لرسوله ، ولم يأذن لكم " ، يعني بذلك صلوات الله وسلامه عليه قتاله أهله يوم فتح مكة ، فإنه فتحها عنوة ، وقتلت رجال منهم عند الخندمة ، وقيل صلحاً لقوله " من أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن " وقوله { حَتَّىٰ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَـٰتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَـٰفِرِينَ } يقول تعالى ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام إلا أن يبدؤوكم بالقتال فيه ، فلكم حينئذ قتالهم وقتلهم دفعاً للصائل ، كما بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم الحديبية تحت الشجرة على القتال ، لما تألبت عليه بطون قريش ومن والاهم من أحياء ثقيف والأحابيش عامئذ ، ثم كف الله القتال بينهم فقال { وَهُوَ ٱلَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } الفتح 24 وقال { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَـٰتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِى رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيمًا } الفتح 25 وقوله { فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي فإن تركوا القتال في الحرم ، وأنابوا إلى الإسلام والتوبة ، فإن الله يغفر ذنوبهم ، ولو كانوا قد قتلوا المسلمين في حرم الله فإنه تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب منه إليه ، ثم أمر الله بقتال الكفار { حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } ، أي شرك . قاله ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع ومقاتل بن حيان والسدي وزيد بن أسلم { وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ } أي يكون دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان ، كما ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل رياء ، أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " وفي الصحيحين " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله " . وقوله { فَإِنِ ٱنتَهَواْ فَلاَ عُدْوَٰنَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } يقول تعالى فإن انتهوا عما هم فيه من الشرك وقتال المؤمنين ، فكفوا عنهم ، فإن من قاتلهم بعد ذلك ، فهو ظالم ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وهذا معنى قول مجاهد أن لا يقاتل إلا من قاتل . أو يكون تقديره فإن انتهوا تخلصوا من الظلم ، وهو الشرك ، فلا عدوان عليهم بعد ذلك ، والمراد بالعدوان ههنا المعاقبة والمقاتلة كقوله { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } البقرة 194وقوله { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } الشورى 40 { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } النحل 126 ولهذا قال عكرمة وقتادة الظالم الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله ، وقال البخاري قوله { وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } الآية ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع ، عن ابن عمر قال أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير ، فقالا إن الناس ضيعوا ، وأنت ابن عمر ، وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج ؟ فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي ، قالا ألم يقل الله { وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } ؟ فقال قاتلنا حتى لم تكن فتنة ، وكان الدين لله ، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ، وحتى يكون الدين لغير الله ، وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب ، أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمر المعافري ، أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع أن رجلاً أتى ابن عمر ، فقال يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاماً ، وتقيم عاماً ، وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل ، وقد علمت ما رغب الله فيه ؟ فقال يا بن أخي بني الإسلام على خمس الإيمان بالله ورسوله والصلوات الخمس ، وصيام رمضان ، وأداء الزكاة ، وحج البيت . قالوا يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ } الحجرات 9 { وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } ؟ قال فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلاً ، فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه أو عذبوه ، حتى كثر الإسلام ، فلم تكن فتنة ، قال فما قولك في علي وعثمان ؟ قال أما عثمان فكأن الله عفا عنه ، وأما أنتم ، فكرهتم أن يعفو عنه ، وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه ، وأشار بيده ، فقال هذا بيته حيث ترون .