Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 196-196)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر تعالى أحكام الصيام ، وعطف بذكر الجهاد ، شرع في بيان المناسك ، فأمر بإتمام الحج والعمرة ، وظاهر السياق إكمال أفعالهما بعد الشروع فيهما ، ولهذا قال بعده فإن أحصرتم ، أي صددتم عن الوصول إلى البيت ، ومنعتم من إتمامهما ، ولهذا اتفق العلماء ، على أن الشروع في الحج والعمرة ملزم ، سواء قيل بوجوب العمرة ، أو باستحبابها ، كما هما قولان للعلماء ، وقد ذكرناهما بدلائلهما في كتابنا الأحكام مستقصى ، ولله الحمد والمنة . وقال شعبة عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن علي أنه قال في هذه الآية { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ } ، قال أن تحرم من دويرة أهلك ، وكذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس ، وعن سفيان الثوري أنه قال في هذه الآية إتمامهما أن تحرم من أهلك ، لا تريد إلا الحج والعمرة ، وتهل من الميقات ، ليس أن تخرج لتجارة ولا لحاجة ، حتى إذا كنت قريباً من مكة ، قلت لو حججت أو أعمرت ، وذلك يجزىء ، ولكن التمام أن تخرج له ، ولا تخرج لغيره ، وقال مكحول إتمامهما إنشاؤهما جميعاً من الميقات ، وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري ، قال بلغنا أن عمر قال في قول الله { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ } من تمامهما أن تفرد كل واحد منهما من الآخر ، وأن تعتمر في غير أشهر الحج ، إن الله تعالى يقول { الحج أشهر معلومات } ، وقال هشام عن ابن عون سمعت القاسم بن محمد يقول إن العمرة في أشهر الحج ليست بتامة ، فقيل له فالعمرة في المحرم ؟ قال كانوا يرونها تامة ، وكذا روي عن قتادة بن دعامة رحمهما الله ، وهذا القول فيه نظر لأنه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر ، كلها في ذي القعدة عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست ، وعمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع ، وعمرة الجعرانة في ذي القعدة سنة ثمان ، وعمرته التي مع حجته أحرم بهما معاً في ذي القعدة سنة عشر ، وما اعتمر في غير ذلك بعد هجرته ، ولكن قال لأم هانىء " عمرة في رمضان تعدل حجة معي " ، وما ذاك إلا لأنها قد عزمت على الحج معه عليه السلام ، فاعتاقت عن ذلك بسبب الطهر ، كما هو مبسوط في الحديث عند البخاري ، ونص سعيد بن جبير على أنه من خصائصها ، والله أعلم . وقال السدي في قوله { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ } أي أقيموا الحج والعمرة . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ } ، يقول من أحرم بحج أو بعمرة ، فليس له أن يحل ، حتى يتمهما تمام الحج ، يوم النحر إذا رمى جمرة العقبة ، وطاف بالبيت وبالصفا والمروة فقد حل . وقال قتادة عن زرارة ، عن ابن عباس أنه قال الحج عرفة ، والعمرة الطواف ، وكذا روى الأعمش عن إبراهيم عن علقمة في قوله { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ } ، قال هي قراءة عبد الله وأتموا الحج والعمرة إلى البيت ، لا يجاوز بالعمرة البيت . قال إبراهيم فذكرت ذلك لسعيد بن جبير ، فقال كذلك قال ابن عباس . وقال سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة أنه قال وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت ، وكذا روى الثوري أيضاً ، عن إبراهيم عن منصور عن إبراهيم ، أنه قرأ وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت . وقرأ الشعبي { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ } برفع العمرة ، وقال ليست بواجبة . وروي عنه خلاف ذلك ، وقد وردت أحاديث كثيرة من طرق متعددة ، عن أنس وجماعة من الصحابة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع في إحرامه بحج وعمرة ، وثبت عنه في الصحيح أنه قال لأصحابه " من كان معه هدي ، فليهل بحج وعمرة " ، وقال في الصحيح أيضاً " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " . وقد روى الإمام أبو محمد بن أبي حاتم في سبب نزول هذه الآية حديثاً غريباً ، فقال حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أبو عبد الله الهروي ، حدثنا غسان الهروي ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن عطاء عن صفوان بن أمية ، أنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم متضمخ بالزعفران ، عليه جبة ، فقال كيف تأمرني يا رسول الله في عمرتي ؟ قال فأنزل الله { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أين السائل عن العمرة " ؟ فقال ها أنا ذا ، فقال له " ألق عنك ثيابك ، ثم اغتسل واستنشق ما استطعت ، ثم ما كنت صانعاً في حجك ، فاصنعه في عمرتك " هذا حديث غريب وسياق عجيب ، والذي ورد في الصحيحين عن يعلى بن أمية في قصة الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة ، فقال كيف ترى في رجل أحرم بالعمرة ، وعليه جبة وخلوق ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاءه الوحي ، ثم رفع رأسه فقال " أين السائل ؟ " فقال ها أنا ذا ، فقال " أما الجبة فانزعها ، وأما الطيب الذي بك فاغسله ، ثم ما كنت صانعاً في حجك ، فاصنعه في عمرتك " ولم يذكر فيه الغسل والاستنشاق ، ولا ذكر نزول هذه الآية ، وهو عن يعلى بن أمية ، لا صفوان بن أمية ، فالله أعلم . وقوله { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ } ذكروا أن هذه الآية نزلت في سنة ست ، أي عام الحديبية حين حال المشركون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الوصول إلى البيت ، وأنزل الله في ذلك سورة الفتح بكمالها ، وأنزل لهم رخصة أن يذبحوا ما معهم من الهدي ، وكان سبعين بدنة ، وأن يحلقوا رؤوسهم ، وأن يتحللوا من إحرامهم ، فعند ذلك أمرهم عليه السلام أن يحلقوا رؤوسهم ، وأن يتحللوا ، فلم يفعلوا انتظاراً للنسخ ، حتى خرج فحلق رأسه ، ففعل الناس ، وكان منهم من قصر رأسه ولم يحلقه ، فلذلك قال صلى الله عليه وسلم " رحم الله المحلقين " قالوا والمقصرين يا رسول الله ؟ فقال في الثالثة " والمقصرين " ، وقد كانوا اشتركوا في هديهم ذلك كل سبعة في بدنة ، وكانوا ألفاً وأربعمائة ، وكان منزلهم بالحديبية خارج الحرم ، وقيل بل كانوا على طرف الحرم ، فالله أعلم ، ولهذا اختلف العلماء هل يختص الحصر بالعدو ، فلا يتحلل إلا من حصره عدو ، لا مرض ولا غيره ، على قولين ، فقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس ، وابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس ، وابن أبي نجيح عن ابن عباس ، أنه قال لا حصر إلا حصر العدو ، فأما من أصابه مرض أو وجع أو ضلال ، فليس عليه شيء ، إنما قال الله تعالى { فَإِذَآ أَمِنتُمْ } فليس الأمن حصراً ، قال وروي عن ابن عمر وطاوس والزهري وزيد بن أسلم نحو ذلك ، والقول الثاني إن الحصر أعم من أن يكون بعدو أو مرض أو ضلال ، وهو التوهان عن الطريق ، أو نحو ذلك ، قال الإمام أحمد حدثنا يحيى ابن سعيد ، حدثنا حجاج بن الصواف عن يحيى بن أبي كثير ، عن عكرمة ، عن الحجاج بن عمرو الأنصاري ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من كسر أو وجع أو عرج ، فقد حل ، وعليه حجة أخرى " قال فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة ، فقالا صدق ، وأخرجه أصحاب الكتب الأربعة من حديث يحيى بن أبي كثير به ، وفي رواية لأبي داود وابن ماجه " من عرج أو كسر أو مرض " ، فذكر معناه . ورواه ابن أبي حاتم عن الحسن بن عرفة ، عن إسماعيل بن علية ، عن الحجاج بن أبي عثمان الصواف به ، ثم قال وروي عن ابن مسعود وابن الزبير وعلقمة وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ومجاهد والنخعي وعطاء ومقاتل بن حيان أنهم قالوا الإحصار من عدو أو مرض أو كسر . وقال الثوري الإحصار من كل شيء آذاه . وثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ، فقالت يا رسول الله إني أريد الحج ، وأنا شاكية ، فقال " حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني " ورواه مسلم عن ابن عباس بمثله ، فذهب من ذهب من العلماء إلى صحة الاشتراط في الحج لهذا الحديث ، وقد علق الإمام محمد بن إدريس الشافعي القول بصحة هذا المذهب على صحة هذا الحديث ، قال البيهقي وغيره من الحفاظ وقد صح ولله الحمد . وقوله { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ } قال الإمام مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب ، أنه كان يقول { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ } شاة ، وقال ابن عباس الهدي من الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والمعز والضأن ، وقال الثوري عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ } قال شاة ، وكذا قال عطاء ومجاهد وطاوس وأبو العالية ومحمد بن علي بن الحسين وعبد الرحمن بن القاسم والشعبي والنخعي والحسن وقتادة والضحاك ومقاتل بن حيان وغيرهم مثل ذلك ، وهو مذهب الأئمة الأربعة ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة وابن عمر أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدي إلا من الإبل والبقر . قال وروي عن سالم والقاسم وعروة بن الزبير وسعيد بن جبير نحو ذلك قلت والظاهر أن مستند هؤلاء فيما ذهبوا إليه قصة الحديبية ، فإنه لم ينقل عن أحد منهم أنه ذبح في تحلله ذلك شاة ، وإنما ذبحوا الإبل والبقر ، ففي الصحيحين عن جابر ، قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الابل والبقر كل سبعة منا في بقرة ، وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ } قال بقدر يسارته ، وقال العوفي ، عن ابن عباس إن كان موسراً فمن الإبل ، وإلا فمن البقر ، وإلا فمن الغنم . وقال هشام بن عروة عن أبيه { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ } قال إنما ذلك فيما بين الرخص والغلاء ، والدليل على صحة قول الجمهور فيما ذهبوا إليه من إجزاء ذبح الشاة في الإحصار أن الله أوجب ذبح ما استيسر من الهدي ، أي مهما تيسر مما يسمى هدياً ، والهدي من بهيمة الأنعام ، وهي الإبل والبقر والغنم كما قاله الحبر البحر ترجمان القرآن ، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت أهدى النبي صلى الله عليه وسلم مرة غنماً . وقوله { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْىُ مَحِلَّهُ } معطوف على قوله { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ } وليس معطوفاً على قوله { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ } كما زعمه ابن جرير رحمه الله ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الحديبية لما حصرهم كفار قريش عن الدخول إلى الحرم ، حلقوا وذبحوا هديهم خارج الحرم ، فأما في حال الأمن والوصول إلى الحرم ، فلا يجوز الحلق { حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْىُ مَحِلَّهُ } ويفرغ الناسك من أفعال الحج والعمرة إن كان قارناً ، أو من فعل أحدهما إن كان منفرداً أو متمتعاً كما ثبت في الصحيحين عن حفصة أنها قالت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ، ولم تحل أنت من عمرتك ؟ فقال " إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي ، فلا أحل حتى أنحر " . وقوله { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } قال البخاري حدثنا آدم ، حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، سمعت عبد الله بن معقل قال قعدت إلى كعب ابن عجرة في هذا المسجد يعني مسجد الكوفة فسألته عن فدية من صيام ، فقال حملت إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي ، فقال " ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا ، أما تجد شاة " ؟ قلت لا ، قال " صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع من طعام ، واحلق رأسك " فنزلت فيّ خاصة ، وهي لكم عامة . وقال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، قال أتى عليّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أُوقد تحت قدر ، والقمل يتناثر على وجهي ، أو قال حاجبي ، فقال " يؤذيك هو ام رأسك " ؟ قلت نعم ، قال " فاحلقه ، وصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو أنسك نسيكة " قال أيوب لا أدري بأيتهن بدأ . وقال أحمد أيضاً حدثنا هشيم ، حدثنا أبو بشر عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ، ونحن محرمون ، وقد حصره المشركون ، وكانت لي وفرة ، فجعلت الهوام تساقط على وجهي ، فمر عليّ النبي صلى الله عليه وسلم فقال " أيؤذيك هو ام رأسك " ؟ فأمره أن يحلق ، قال ونزلت هذه الآية { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } وكذا رواه عفان عن شعبة عن أبي بشر ، وهو جعفر بن إياس به ، وعن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به وعن شعبة عن داود عن الشعبي عن كعب بن عجرة نحوه ورواه الإمام مالك عن حميد بن قيس ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، فذكره نحوه وقال سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبان بن صالح ، عن الحسن البصري إنه سمع كعب بن عجرة يقول فذبحت شاة ، ورواه ابن مردويه ، وروي أيضاً من حديث عمر بن قيس ، وهو ضعيف ، عن عطاء عن ابن عباس ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " النسك شاة ، والصيام ثلاثة أيام ، والطعام فرق بين ستة " وكذا روي عن علي ومحمد بن كعب وعكرمة وإبراهيم ومجاهد وعطاء والسدي والربيع بن أنس ، وقال ابن أبي حاتم أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا عبد الله بن وهب أن مالك بن أنس حدثه عن عبد الكريم بن مالك الجزري ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآذاه القمل في رأسه ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه ، وقال " صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، مدين مدين لكل إنسان ، أو أنسك شاة ، أي ذلك فعلت أجزأ عنك " وهكذا روى ليث بن أبي سليم عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله { فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } قال إذا كان ، أو فأية أخذت أجزأ عنك ، قال ابن أبي حاتم وروي عن مجاهد وعكرمة وعطاء وطاوس والحسن وحميد الأعرج وإبراهيم والنخعي والضحاك نحو ذلك . قلت وهو مذهب الأئمة الأربعة ، وعامة العلماء أنه يخير في هذا المقام ، إن شاء صام ، وإن شاء تصدق بفرق ، وهو ثلاثة آصع ، لكل مسكين نصف صاع ، وهو مدان ، وإن شاء ، ذبح شاة وتصدق بها على الفقراء ، أيّ ذلك فعل أجزأه ، ولما كان لفظ القرآن في بيان الرخصة جاء بالأسهل فالأسهل { فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن عجرة بذلك ، أرشده إلى الأفضل فالأفضل ، فقال أنسك شاة ، أو أطعم ستة مساكين ، أو صم ثلاثة أيام ، فكل حسن في مقامه ، ولله الحمد والمنة . وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، قال ذكر الأعمش ، قال سأل إبراهيم سعيد بن جبير عن هذه الآية { فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } فأجابه بقول يحكم عليه طعام ، فإن كان عنده اشترى شاة ، وإن لم يكن قومت الشاة دراهم ، وجعل مكانها طعام فتصدق ، وإلا صام لكل نصف صاع يوماً ، قال إبراهيم كذلك سمعت علقمة يذكر ، قال لما قال لي سعيد بن جبير من هذا ؟ ما أظرفه قال قلت هذا إبراهيم ، فقال ما أظرفه كان يجالسنا ، قال فذكرت ذلك لإبراهيم ، قال فلما قلت يجالسنا ، انتفض منها ، وقال ابن جرير أيضاً حدثنا ابن أبي عمران ، حدثنا عبيد الله بن معاذ عن أبيه ، عن أشعث ، عن الحسن في قوله { فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } قال إذا كان بالمحرم أذى من رأسه ، حلق ، وافتدى بأي هذه الثلاثة شاء ، والصيام عشرة أيام ، والصدقة على عشرة مساكين ، كل مسكين مكوكين مكوكاً من تمر ، ومكوكاً من بر ، والنسك شاة ، وقال قتادة عن الحسن وعكرمة في قوله { فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } قال إطعام عشرة مساكين ، وهذان القولان من سعيد بن جبير وعلقمة والحسن وعكرمة ، قولان غريبان فيهما نظر لأنه قد ثبتت السنة في حديث كعب بن عجرة الصيام ثلاثة أيام لا ستة ، أو إطعام ستة مساكين ، أو نسك شاة ، وأن ذلك على التخيير كما دل عليه سياق القرآن . وأما هذا الترتيب فإنما هو معروف في قتل الصيد كما هو نص القرآن ، وعليه أجمع الفقهاء هناك ، بخلاف هذا ، والله أعلم . وقال هشام أخبرنا ليث عن طاوس أنه كان يقول ما كان من دم أو طعام فبمكة ، وما كان من صيام فحيث شاء ، وكذا قال مجاهد وعطاء والحسن ، وقال هشام أخبرنا حجاج وعبد الملك وغيرهما عن عطاء أنه كان يقول ما كان من دم فبمكة ، وما كان من طعام وصيام فحيث شاء ، وقال هشيم أخبرنا يحيى بن سعيد عن يعقوب بن خالد ، أخبرنا أبو أسماء مولى ابن جعفر ، قال حج عثمان بن عفان ، ومعه علي والحسين بن علي ، فارتحل عثمان ، قال أبو أسماء وكنت مع ابن جعفر ، فإذا نحن برجل نائم ، وناقته عند رأسه ، قال فقلت أيها النائم فاستيقظ ، فإذا الحسين بن علي ، قال فحمله ابن جعفر حتى أتينا به السقيا ، قال فأرسل إلي علي ومعه أسماء بنت عميس ، قال فمرضناه نحواً من عشرين ليلة ، قال قال علي للحسين ما الذي تجد ؟ قال فأومأ بيده إلى رأسه ، قال فأمر به علي ، فحلق رأسه ، ثم دعا ببدنة فنحرها ، فإن كانت هذه الناقة عن الحلق ، ففيه أنه نحرها دون مكة . وإن كانت عن التحلل فواضح . وقوله { فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ } أي فإذا تمكنتم من أداء المناسك ، فمن كان منكم متمتعاً بالعمرة إلى الحج ، وهو يشمل من أحرم بهما ، أو أحرم بالعمرة أولاً ، فلما فرغ منها أحرم بالحج ، وهذا هو التمتع الخاص ، وهو المعروف في كلام الفقهاء ، والتمتع العام يشمل القسمين ، كما دلت عليه الأحاديث الصحاح ، فإن من الرواة من يقول تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر يقول قرن ، ولا خلاف أنه ساق هدياً ، وقال تعالى { فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ } أي فليذبح ما قدر عليه من الهدي ، وأقله شاة ، وله أن يذبح البقر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه البقر ، وقال الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح البقر عن نسائه ، وكن متمتعات ، رواه أبو بكر بن مردويه ، وفي هذا دليل على مشروعية التمتع ، كما جاء في الصحيحين عن عمران بن حصين ، قال نزلت آية المتعة في كتاب الله ، وفعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم ينزل قرآن يحرمها ، ولم ينه عنها ، حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء . قال البخاري يقال إنه عمر ، وهذا الذي قاله البخاري قد جاء مصرحاً به أن عمر كان ينهى الناس عن التمتع ، ويقول إن نأخذ بكتاب الله فإن الله يأمر بالتمام ، يعني قوله { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ } وفي نفس الأمر لم يكن عمر رضي الله عنه ينهى عنها محرماً لها ، إنما كان ينهى عنها ليكثر قصد الناس للبيت حاجين ومعتمرين كما قد صرح به رضي الله عنه . وقوله { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } يقول تعالى فمن لم يجد هدياً ، فليصم ثلاثة أيام في الحج ، أي في أيام المناسك ، قال العلماء والأولى أن يصومها قبل عرفة في العشر ، قاله عطاء ، أو من حين يحرم ، قاله ابن عباس وغيره لقوله في الحج ، ومنهم من يجوز صيامها من أول شوال ، قاله طاوس ومجاهد وغير واحد ، وجوز الشعبي صيام يوم عرفة وقبله يومين ، وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير والسدي وعطاء وطاوس والحكم والحسن وحماد وإبراهيم وأبو جعفر الباقر والربيع ومقاتل بن حيان ، وقال العوفي عن ابن عباس إذا لم يجد هدياً ، فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم عرفة ، فإذا كان يوم عرفة الثالث ، فقد تم صومه ، وسبعة إذا رجع إلى أهله ، وكذا روى أبو إسحاق عن وبرة عن ابن عمر قال يصوم يوماً قبل التروية ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، وكذا روى جعفر بن محمد عن أبيه ، عن علي أيضاً . فلو لم يصمها أو بعضها قبل العيد ، فهل يجوز أن يصومها في أيام التشريق ؟ فيه قولان للعلماء ، وهما للإمام الشافعي أيضاً ، القديم منهما أنه يجوز له صيامها لقول عائشة وابن عمر في صحيح البخاري لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي ، هكذا رواه مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة ، وعن سالم عن ابن عمر ، وقد روي من غير وجه عنهما ، ورواه سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي ، أنه كان يقول من فاته صيام ثلاثة أيام في الحج ، صامهن أيام التشريق ، وبهذا يقول عبيد بن عمير الليثي عن عكرمة والحسن البصري وعروة بن الزبير ، وإنما قالوا ذلك لعموم قوله { فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ } والجديد من القولين أنه لا يجوز صيامها أيام التشريق لما رواه مسلم عن قتيبة الهذلي رضي الله عنه ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيام التشريق أيام أكل وشرب ، وذكر الله عز وجل " . وقوله { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } فيه قولان أحدهما إذا رجعتم إلى رحالكم ، ولهذا قال مجاهد هي رخصة ، إذا شاء صامها في الطريق ، وكذا قال عطاء بن أبي رباح . والقول الثاني إذا رجعتم إلى أوطانكم ، قال عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن يحيى بن سعيد عن سالم ، سمعت ابن عمر قال { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } قال إذا رجع إلى أهله ، وكذا روي عن سعيد بن جبير وأبي العالية ومجاهد وعطاء وعكرمة والحسن وقتادة والزهري والربيع بن أنس ، وحكى على ذلك أبو جعفر ابن جرير الإجماع ، وقد قال البخاري حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، أن ابن عمر قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى ، فساق معه الهدي من ذي الحليفة ، فأهل بعمرة ، ثم أهل بالحج ، فتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج ، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ، ومنهم من لم يهد ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة ، قال للناس " من كان منكم أهدىٰ فإنه لا يحل بشيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن منكم أهدى ، فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ، وليقصر وليحلل ، ثم ليهل بالحج ، فمن لم يجد هدياً ، فليصم ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع إلى أهله " وذكر تمام الحديث ، قال الزهري وأخبرني عروة عن عائشة بمثل ما أخبرني سالم عن أبيه ، والحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري به ، وقوله { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } قيل تأكيد ، كما تقول العرب رأيت بعيني ، وسمعت بأذني ، وكتبت بيدي ، وقال الله تعالى { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } الأنعام 38 وقال { وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِنِكَ } العنبكوت 48 وقال { وَوَٰعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَـٰثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَـٰتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } الأعراف 142 وقيل معنى كاملة الأمر بإكمالها وإتمامها ، اختاره ابن جرير ، وقيل معنى كاملة أي مجزئة عن الهدي ، قال هشيم عن عباد بن راشد عن الحسن البصري في قوله { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } قال من الهدي . وقوله { ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } قال ابن جرير واختلف أهل التأويل فيمن عنى بقوله { لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } بعد إجماع جميعهم على أن أهل الحرم معنيون به ، وأنه لا متعة لهم ، فقال بعضهم عنى بذلك أهل الحرم خاصة دون غيرهم ، حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، هو الثوري ، قال قال ابن عباس هم أهل الحرم ، وكذا روى ابن المبارك عن الثوري ، وزاد الجماعة عليه وقال قتادة ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول يا أهل مكة لا متعة لكم ، أحلت لأهل الآفاق ، وحرمت عليكم ، إنما يقطع أحدكم وادياً ، أو قال يجعل بينه وبين الحرم وادياً ، ثم يهل بعمرة . وقال عبد الرزاق حدثنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه ، قال المتعة للناس ، لا لأهل مكة ، من لم يكن أهله من الحرم . وكذا قول الله عز وجل { ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } قال وبلغني عن ابن عباس مثل قول طاوس ، وقال آخرون هم أهل الحرم ومن بينه وبين المواقيت ، كما قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عطاء ، قال من كان أهله دون المواقيت فهو كأهل مكة لا يتمتع ، وقال عبد الله بن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن مكحول في قوله { ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } قال من كان دون الميقات ، وقال ابن جريج عن عطاء ذلك لن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام . قال عرفة ومزدلفة ، وعرنة والرجيع ، وقال عبد الرزاق حدثنا معمر سمعت الزهري يقول من كان أهله على يوم أو نحوه تمتع ، وفي رواية عنه اليوم واليومين ، واختار ابن جرير في ذلك مذهب الشافعي أنهم أهل الحرم ، ومن كان منه على مسافة لا يقصر فيها الصلاة لأن من كان كذلك ، يعد حاضراً لا مسافراً ، والله أعلم . وقوله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي فيما أمركم ونهاكم { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } أي لمن خالف أمره ، وارتكب ما عنه زجره .