Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 200-202)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يأمر تعالى بذكره والإكثار منه بعد قضاء المناسك وفراغها ، وقوله { كَذِكْرِكُمْ ءَابَآءَكُمْ } اختلفوا في معناه ، فقال ابن جريج عن عطاء هو كقول الصبي أبه أمه ، يعني كما يلهج الصبي بذكر أبيه وأمه ، فكذلك أنتم ، فالهجوا بذكر الله بعد قضاء النسك ، وكذا قال الضحاك والربيع بن أنس ، وروى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس نحوه ، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم ، فيقول الرجل منهم كان أبي يطعم ويحمل الحمالات ، ويحمل الديات ، ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم ، فأنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءَابَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا } ، قال ابن أبي حاتم وروى السدي ، عن أنس بن مالك وأبي وائل وعطاء بن أبي رباح في أحد قوليه ، وسعيد بن جبير وعكرمة في أحد رواياته ، ومجاهد والسدي وعطاء الخراساني والربيع بن أنس والحسن وقتادة ومحمد بن كعب ومقاتل بن حيان نحو ذلك ، وهكذا حكاه ابن جرير عن جماعة . والله أعلم ، والمقصود منه الحث على كثرة الذكر لله عز وجل ، ولهذا كان انتصاب قوله أو أشد ذكراً على التمييز ، تقديره كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً ، وأو ههنا لتحقيق المماثلة في الخبر كقوله { فَهِىَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } البقرة 74 وقوله { يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } النساء 77 { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونٍَ } الصافات 147 { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } النجم 9 فليست ههنا للشك قطعاً ، وإنما هي لتحقيق المخبر عنه كذلك ، أو أزيد منه ، ثم إنه تعالى أرشد إلى دعائه بعد كثرة ذكره ، فإنه مظنة الإجابة ، وذم من لا يسأله إلا في أمر دنياه وهو معرض عن أخراه ، فقال { فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِى ٱلاَْخِرَةِ مِنْ خَلَـٰقٍ } أي من نصيب ولا حظ ، وتضمن هذا الذم التنفير عن التشبه بمن هو كذلك ، قال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون اللهم اجعله عام غيث ، وعام خصب ، وعام ولاد حسن ، لا يذكرون من أمر الآخرة شيئاً ، فأنزل الله فيهم { فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِى ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَـٰقٍ } وكان يجيء بعدهم آخرون من المؤمنين فيقولون { رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } فأنزل الله { أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } ولهذا مدح من يسأله الدنيا والأخرى ، فقال { وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } فجمعت هذه الدعوة كل خير في الدنيا ، وصرفت كل شر ، فإن الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية ، ودار رحبة ، وزوجة حسنة ، ورزق واسع ، وعلم نافع ، وعمل صالح ، ومركب هني ، وثناء جميل ، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عبارات المفسرين ، ولا منافاة بينها ، فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا ، وأما الحسنة في الآخرة ، فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات ، وتيسير الحساب ، وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة ، وأما النجاة من النار ، فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم والآثام وترك الشبهات والحرام . وقال القاسم بن عبد الرحمن من أعطي قلباً شاكراً ، ولساناً ذاكراً ، وجسداً صابراً ، فقد أوتي في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، ووقي عذاب النار ، ولهذا وردت السنة بالترغيب في هذا الدعاء ، فقال البخاري حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز ، عن أنس بن مالك ، قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول " اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار " وقال أحمد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا عبد العزيز بن صهيب ، قال سأل قتادة أنساً أي دعوة كان أكثر ما يدعوها النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال يقول " اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار " وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة ، دعا بها ، وإذا أراد أن يدعو بدعاء ، دعا بها فيه ، ورواه مسلم . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عبد السلام بن شداد ، يعني أبا طالوت ، قال كنت عند أنس بن مالك ، فقال له ثابت إن إخوانك يحبون أن تدعو لهم ، فقال " اللهم آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار " وتحدثوا ساعة ، حتى إذا أرادوا القيام قال يا أبا حمزة إن إخوانك يريدون القيام ، فادع الله لهم ، فقال أتريدون أن أشقق لكم الأمور ؟ إذا آتاكم الله في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، ووقاكم عذاب النار ، فقد آتاكم الخير كله . وقال أحمد أيضاً حدثنا محمد بن أبي عدي عن حميد عن ثابت ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً من المسلمين قد صار مثل الفرخ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل تدعو الله بشيء أو تسأله إياه ؟ " قال نعم ، كنت أقول اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سبحان الله لا تطيقه ، أو لا تستطيعه ، فهلا قلت { رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } " قال فدعاه الله فشفاه ، انفرد بإخراجه مسلم ، فرواه من حديث ابن أبي عدي به . وقال الإمام الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم القداح عن ابن جريج ، عن يحيى بن عبيد مولى السائب ، عن أبيه ، عن عبد الله ابن السائب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بين الركن اليماني والركن الأسود { رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } ورواه الثوري عن ابن جريج كذلك . وروى ابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك ، وفي سنده ضعف ، والله أعلم . وقال ابن مردويه حدثنا عبد الباقي ، أخبرنا أحمد بن القاسم بن مساور ، حدثنا سعيد بن سليمان عن إبراهيم بن سليمان عن عبد الله بن هرمز ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما مررت على الركن إلا رأيت عليه ملكاً يقول آمين ، فإذا مررتم عليه فقولوا { رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } " وقال الحاكم في مستدركه حدثنا أبو زكريا العنبري ، حدثنا محمد بن عبد السلام ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا جرير عن الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال إني أجرت نفسي من قوم على أن يحملوني ، ووضعت لهم من أجرتي على أن يدعوني أحج معهم ، أفيجزي ذلك ؟ فقال أنت من الذين قال الله { أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } ثم قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .