Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 217-218)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه ، حدثني الحضرمي عن أبي السوار ، عن جندب بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رهطاً ، وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح ، فلما ذهب ينطلق ، بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسه ، فبعث عليهم مكانه عبد الله بن جحش ، وكتب له كتاباً ، وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا ، وقال " لا تكرهن أحداً على السير معك من أصحابك " فلما قرأ الكتاب استرجع ، وقال سمعاً وطاعة لله ولرسوله ، فخبرهم الخبر ، وقرأ عليهم الكتاب ، فرجع رجلان ، وبقي بقيتهم ، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو من جمادى ، فقال المشركون للمسلمين قتلتم في الشهر الحرام ، فأنزل الله { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } الآية ، وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود { يَسْـأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } الآية ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية ، وكانوا سبعة نفر ، عليهم عبد الله بن جحش الأسدي ، وفيهم عمار بن ياسر وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وسعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان السلمي حليف لبني نوفل ، وسهيل بن بيضاء وعامر بن فهيرة وواقد بن عبد الله اليربوعي حليف لعمر بن الخطاب ، وكتب لابن جحش كتاباً ، وأمره أن لا يقرأه حتى ينزل بطن ملل ، فلما نزل بطن ملل ، فتح الكتاب ، فإذا فيه أن " سر حتى تنزل بطن نخلة " فقال لأصحابه من كان يريد الموت فليمض وليوص ، فإنني موص وماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار ، فتخلف عنه سعد بن أبي وقاص وعتبة ، أضلا راحلة لهما ، فتخلفا يطلبانها ، وسار ابن جحش إلى بطن نخلة ، فإذا هو بالحكم بن كيسان ، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة ، وانفلت المغيرة وقتل عمرو ، قتله واقد بن عبد الله ، فكانت أولى غنيمة غنمها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رجعوا إلى المدينة بأسيرين وما أصابوا من المال ، أراد أهل مكة أن يفادوا الأسيرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم " حتى ننظر ما فعل صاحبانا " فلما رجع سعد وصاحبه ، فادى بالأسيرين ففجر عليه المشركون ، وقالوا إن محمداً يزعم أنه يتبع طاعة الله ، وهو أول من استحل الشهر الحرام ، وقتل صاحبنا في رجب ، فقال المسلمون إنما قتلناه في جمادى ، وقيل في أول ليلة من رجب ، وآخر ليلة من جمادى ، وغمد المسلمون سيوفهم حين دخل شهر رجب ، وأنزل الله يعير أهل مكة { يَسْـأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } لا يحل ، وما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في الشهر الحرام حين كفرتم بالله وصددتم عن محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وإخراج أهل المسجد الحرام منه حين أخرجوا محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكبر من القتل عند الله . وقال العوفي عن ابن عباس { يَسْـأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } وذلك أن المشركين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وردوه عن المسجد في شهر حرام ، قال ففتح الله على نبيه في شهر حرام من العام المقبل ، فعاب المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال في شهر حرام ، فقال الله { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } من القتال فيه ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم بعث سرية ، فلقوا عمرو بن الحضرمي ، وهو مقبل من الطائف في آخر ليلة من جمادى وأول ليلة من رجب ، وأن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يظنون أن تلك الليلة من جمادى ، وكانت أول رجب ، ولم يشعروا ، فقتله رجل منهم ، وأخذوا ما كان معه ، وإن المشركين أرسلوا يعيرونه بذلك ، فقال الله تعالى { يَسْـأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } إخراج أهل المسجد الحرام أكبر من الذي أصاب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والشرك أشد منه ، وهكذا روى أبو سعيد البقال عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنها نزلت في سرية عبد الله بن جحش ، وقتل عمرو بن الحضرمي . وقال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وقال نزل فيما كان من مصاب عمرو بن الحضرمي { يَسْـأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } إلى آخر الآية ، وقال عبد الملك ابن هشام راوي السيرة ، عن زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق بن يسار المدني رحمه الله ، في كتاب السيرة له ، أنه قال وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي في رجب مقفله من بدر الأولى ، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ، ليس فيهم من الأنصار أحد ، وكتب له كتاباً ، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ، ثم ينظر فيه فيمضي كما أمره به ، ولا يستكره من أصحابه أحداً ، وكان أصحاب عبد الله بن جحش من المهاجرين ، ثم من بني عبد شمس بن عبد مناف أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، ومن حلفائهم عبد الله بن جحش ، وهو أمير القوم ، وعكاشة بن محصن أحد بني أسد بن خزيمة حليف لهم ، ومن بني نوفل بن عبد مناف عتبة بن غزوان بن جابر حليف لهم ، ومن بني زهرة بن كلاب سعد بن أبي وقاص ، ومن بني كعب عدي بن عامر بن ربيعة ، حليف لهم ، من عنز بن وائل ، وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع ، أحد بني تميم ، حليف لهم ، وخالد بن البكير أحد بني سعد بن ليث ، حليف لهم ، ومن بني الحارث بن فهر سهيل بن بيضاء ، فلما سار عبد الله بن جحش يومين ، فتح الكتاب ، فنظر فإذا فيه إذا نظرت في كتابي هذا ، فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف ترصد بها قريشاً ، وتعلم لنا من أخبارهم ، فلما نظر عبد الله بن جحش الكتاب ، قال سمعاً وطاعة ، ثم قال لأصحابه قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى نخلة أرصد بها قريشاً حتى آتيه منهم بخبر ، وقد نهاني أن أستكره أحداً منكم ، فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ، ومن كره ذلك فليرجع ، فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضى معه أصحابه ، لم يتخلف عنه منهم أحد ، فسلك على الحجاز ، حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بُحْران ، أضلّ سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيراً لهما كانا يعتقبانه فتخلفا عليه في طلبه ، ومضى عبد الله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل نخلة ، فمرت به عير لقريش تحمل زبيباً وأدماً وتجارة من تجارة قريش ، فيها عمرو بن الحضرمي ، واسم الحضرمي عبد الله بن عباد أحد الصدف ، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة ، وأخوه نوفل بن عبد الله المخزوميان ، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة ، فلما رآهم القوم هابوهم ، وقد نزلوا قريباً منهم ، فأشرف لهم عكاشة بن محصن ، وكان قد حلق رأسه ، فلما رأوه أمنوا وقالوا عُمَّار لا بأس عليكم منهم ، وتشاور القوم فيهم ، وذلك في آخر يوم من رجب ، فقال القوم والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم ، فليمتنعن منكم ، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام ، فتردد القوم ، وهابوا الإقدام عليهم ، ثم شجعوا أنفسهم عليهم ، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم ، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان ، وأفلت من القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم ، وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، قال ابن إسحاق وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش أن عبد الله قال لأصحابه إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما غنمنا الخمس ، وذلك قبل أن يفرض الله الخمس من المغانم ، فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس العير ، وقسم سائرها بين أصحابه ، قال ابن إسحاق فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام " فوقف العير والأسيرين ، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئاً ، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقط في أيدي القوم ، وظنوا أنهم قد هلكوا ، وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا ، وقالت قريش قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام ، وسفكوا فيه الدم ، وأخذوا فيه الأموال ، وأسروا فيه الرجال فقال من يرد عليه من المسلمين ممن كان بمكة إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان . وقالت اليهود تفاءلوا بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله ، عمرو عمرت الحرب ، والحضرمي حضرت الحرب ، وواقد بن عبد الله وقدت الحرب ، فجعل الله عليهم ذلك ، لا لهم ، فلما أكثر الناس في ذلك ، أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم { يَسْـأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ } أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام ، فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به ، وعن المسجد الحرام ، وإخراجكم منه وأنتم أهله { أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } من قتل من قتلتم منهم { وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ } أي قد كانوا يفتنون المسلم في دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه ، فذلك أكبر عند الله من القتل { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ ٱسْتَطَاعُواْ } أي ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه ، غير تائبين ولا نازعين . قال ابن إسحاق فلما نزل القرآن بهذا الأمر ، وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشدة ، قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله العير والأسيرين ، وبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا " يعني سعد بن أبي وقاص ، وعتبة بن غزوان ، « فإنا نخشاكم عليهما ، فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم » فقدم سعد وعتبة ، ففداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، فأما الحكم بن كيسان فأسلم وحسن إسلامه ، وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيداً ، وأما عثمان بن عبد الله ، فلحق بمكة ، فمات بها كافراً . قال ابن إسحاق فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كان حين نزل القرآن ، طمعوا في الأجر ، فقالوا يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين ؟ فأنزل الله عز وجل { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَـٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فوضعهم الله من ذلك على أعظم الرجاء . قال ابن إسحاق والحديث في هذا عن الزهري ويزيد بن رومان ، عن عروة . وقد روى يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير قريباً من هذا السياق ، وروى موسى بن عقبة ، عن الزهري نفسه نحو ذلك ، وروى شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن عروة بن الزبير نحواً من هذا أيضاً ، وفيه فكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المسلمين والمشركين ، فركب وفد من كفار قريش حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، فقالوا أيحل القتال في الشهر الحرام ؟ فأنزل الله { يَسْـأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ } الآية ، وقد استقصى ذلك الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة ، ثم قال ابن هشام ، عن زياد ، عن ابن إسحاق وقد ذكر عن بعض آل عبد الله أن عبد الله قسم الفيء بين أهله ، فجعل أربعة أخماسه لمن أفاءه ، وخمساً على الله ورسوله ، فوقع على ما كان عبد الله ابن جحش صنع في تلك العير . قال ابن هشام وهي أول غنيمة غنمها المسلمون ، وعمرو بن الحضرمي أول من قتل المسلمون ، وعثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان أول من أسر المسلمون . قال ابن إسحاق فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في غزوة عبد الله بن جحش ، ويقال بل عبد الله بن حجش قالها حين قالت قريش قد أحل محمد وأصحابه الشهر الحرام ، فسفكوا فيه الدم ، وأخذوا فيه المال ، وأسروا فيه الرجال ، قال ابن هشام هي لعبد الله بن حجش