Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 240-242)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الأكثرون هذه الآية منسوخة بالتي قبلها ، وهي قوله { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } البقرة 234 . قال البخاري حدثنا أمية حدثنا يزيد بن زريع ، عن حبيب ، عن ابن أبي مليكة ، قال ابن الزبير قلت لعثمان بن عفان { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَٰجًا } قد نسختها الآية الأخرى ، فلم تكتبها أو تدعها ، قال يا بن أخي ، لا أغير شيئاً منه من مكانه . ومعنى هذا الإشكال الذي قاله ابن الزبير لعثمان إذا كان حكمها قد نسخ بالأربعة الأشهر ، فما الحكمة في إبقاء رسمها مع زوال حكمها ، وبقاء رسمها بعد التي نسختها يوهم بقاء حكمها ؟ فأجابه أمير المؤمنين ، بأن هذا أمر توقيفي ، وأنا وجدتها مثبتة في المصحف كذلك بعدها ، فأثبتها حيث وجدتها ، قال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء ، عن ابن عباس في قوله { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَٰجًا وَصِيَّةً لأَِزْوَاجِهِم مَّتَـٰعًا إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ } فكان للمتوفى عنها زوجها نفقتها وسكناها في الدار سنة ، فنسخها آية المواريث ، فجعل لهن الثمن أو الربع مما ترك الزوج ، ثم قال وروي عن أبي موسى الأشعري وابن الزبير ومجاهد وإبراهيم وعطاء والحسن وعكرمة وقتادة والضحاك وزيد بن أسلم والسدي ومقاتل بن حيان وعطاء الخراساني والربيع ابن أنس أنها منسوخة . وروي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قال كان الرجل إذا مات وترك امرأته ، اعتدت سنة في بيته ينفق عليها من ماله ، ثم أنزل الله بعد { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَٰجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } فهذه عدة المتوفى عنها زوجها ، إلا أن تكون حاملاً ، فعدتها أن تضع ما في بطنها ، وقال { وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم } النساء 12 فبين ميراث المرأة ، وترك الوصية والنفقة ، قال وروي عن مجاهد والحسن وعكرمة وقتادة والضحاك والربيع ومقاتل بن حيان ، قالوا نسختها { أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } البقرة 234 . قال وروي عن سعيد بن المسيب ، قال نسختها التي في الأحزاب { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } الأحزاب 49 الآية ، قلت وروي عن مقاتل وقتادة أنها منسوخة بآية الميراث ، وقال البخاري حدثنا إسحاق بن راهويه ، حدثنا روح ، حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَٰجًا } قال كانت هذه للمعتدة ، تعتد عند أهل زوجها واجب . فأنزل الله { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَٰجًا وَصِيَّةً لأَِزْوَاجِهِم مَّتَـٰعًا إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِى مَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ } قال جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة ، وصية ، إن شاءت سكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت ، وهو قول الله { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِى مَا فَعَلْنَ } فالعدة كما هي واجب عليها ، زعم ذلك عن مجاهد رحمه الله ، وقال عطاء قال ابن عباس نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها ، فتعتد حيث شاءت ، وهو قول الله تعالى { غَيْرَ إِخْرَاجٍ } قال عطاء إن شاءت اعتدت عند أهلها ، وسكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت ، لقول الله { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ } قال عطاء ثم جاء الميراث ، فنسخ السكنى ، فتعتد حيث شاءت ، ولا سكنى لها ، ثم أسند البخاري عن ابن عباس مثل ما تقدم عنه بهذا القول الذي عول عليه مجاهد وعطاء ، من أن هذه الآية لم تدل على وجوب الاعتداد سنة ، كما زعمه الجمهور ، حتى يكون ذلك منسوخاً بالأربعة الأشهر وعشر ، وإنما دلت على أن ذلك كان من باب الوصاة بالزوجات بأن يمكنّ من السكنى في بيوت أزواجهن بعد وفاتهم حولاً كاملاً إن اخترن ذلك ، ولهذا قال { وَصِيَّةً لأَِزْوَاجِهِم } أي يوصيكم الله بهن وصية كقوله { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِىۤ أَوْلَـٰدِكُمْ } النساء 11 الآية ، وقوله { وَصِيَّةً مِّنَ ٱللَّهِ } النساء 12 وقيل إنما انتصب على معنى فلتوصوا لهن وصية ، وقرأ آخرون بالرفع وصية ، على معنى كتب عليكم وصية ، واختارها ابن جرير ، ولا يمنعن من ذلك لقوله { غَيْرَ إِخْرَاجٍ } فأما إذا انقضت عدتهن بالأربعة أشهر والعشر ، أو بوضع الحمل ، واخترن الخروج والانتقال من ذلك المنزل ، فإنهن لا يمنعن من ذلك لقوله { فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِى مَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ } وهذا القول له اتجاه ، وفي اللفظ مساعدة له ، وقد اختاره جماعة منهم الإمام أبو العباس بن تيمية ، ورده آخرون ، منهم الشيخ أبو عمر بن عبد البر ، وقول عطاء ومن تابعه ، على أن ذلك منسوخ بآية الميراث ، إن أرادوا ما زاد على الأربعة أشهر والعشر ، فمسلم ، وإن أرادوا أن سكنى الأربعة أشهر وعشر لا تجب في تركة الميت ، فهذا محل خلاف بين الأئمة ، وهما قولان للشافعي رحمه الله ، وقد استدلوا على وجوب السكنى في منزل الزوج بما رواه مالك في موطئه ، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة ، أن الفريعة بنت مالك بن سنان ، وهي أخت أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنهما ، أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة ، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا ، حتى إذا كانوا بطرف القدوم ، لحقهم ، فقتلوه ، قالت فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة ، فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة ، قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم " قالت فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة ، ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر بي فنوديت له ، فقال " كيف قلت " ؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي ، فقال " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً ، قالت فلما كان عثمان بن عفان ، أرسل إلي ، فسألني عن ذلك ، فأخبرته ، فاتبعه وقضى به ، وكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث مالك به . ورواه النسائي أيضاً وابن ماجه من طرق عن سعد بن إسحاق به ، وقال الترمذي حسن صحيح . وقوله { وَلِلْمُطَلَّقَـٰتِ مَتَـٰعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لما نزل قوله تعالى { مَتَـٰعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ } قال رجل إن شئت أحسنت ففعلت ، وإن شئت لم أفعل ، فأنزل الله هذه الآية { وَلِلْمُطَلَّقَـٰتِ مَتَـٰعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى وجوب المتعة لكل مطلقة ، سواء كانت مفوضة ، أو مفروضاً لها ، أو مطلقة قبل المسيس ، أو مدخولاً بها ، وهو قول عن الشافعي رحمه الله ، وإليه ذهب سعيد بن جبير ، وغيره من السلف ، واختاره ابن جرير ، ومن لم يوجبها مطلقاً ، يخصص من هذا العموم مفهوم قوله تعالى { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَـٰعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ } البقرة 236 وأجاب الأولون بأن هذا من باب ذكر بعض أفراد العموم ، فلا تخصيص على المشهور المنصوص ، والله أعلم . وقوله { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَـٰتِهِ } أي في إحلاله وتحريمه ، وفروضه وحدوده ، فيما أمركم ونهاكم عنه ، بينه ووضحه وفسره ، ولم يتركه مجملاً في وقت احتياجكم إليه { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي تفهمون وتتدبرون .