Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 272-274)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال أبو عبد الرحمن النسائي أنبأنا محمد بن عبد السلام بن عبد الرحيم ، أنبأنا الفريابي ، حدثنا سفيان عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين ، فسألوا ، فرخص لهم ، فنزلت هذه الآية { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَِنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } . وكذا رواه أبو حذيقة وابن المبارك وأبو أحمد الزبيدي وأبو داود الحضرمي عن سفيان ، وهو الثوري به . وقال ابن أبي حاتم أنبأنا أحمد بن القاسم بن عطية ، حدثني أحمد بن عبد الرحمن ، يعني الدشتكي ، حدثني أبي عن أبيه ، حدثنا أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بأن لا يتصدق إلا على أهل الإسلام ، حتى نزلت هذه الآية { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } إلى آخرها ، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين ، وسيأتي عند قوله تعالى { لاَّ يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَـٰرِكُمْ } الممتحنة 8 الآية ، حديث أسماء بنت الصديق في ذلك . وقوله { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَِنفُسِكُمْ } كقوله { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ } فصلت 46 ونظائرها في القرآن كثيرة . وقوله { وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ } قال الحسن البصري نفقة المؤمن لنفسه ، ولا ينفق المؤمن إذا أنفق إلا ابتغاء وجه الله . وقال عطاء الخراساني يعني إذا أعطيت لوجه الله فلا عليك ما كان عمله . وهذا معنى حسن ، وحاصله أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله ، فقد وقع أجره على الله ، ولا عليه في نفس الأمر لمن أصاب ألبرّ أو فاجر ، أو مستحق أو غيره ، وهو مثاب على قصده ، ومستند هذا تمام الآية { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } والحديث المخرج في الصحيحين من طريق أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال رجل لأتصدقنَّ الليلة بصدقة ، فخرج بصدقته ، فوضعها في يد زانية ، فأصبح الناس يتحدثون تصدق على زانية ، فقال اللهم لك الحمد ، على زانية ؟ لأتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني ، فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على غني ، قال اللهم لك الحمد ، على غني ؟ لأتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق ، فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على سارق ، فقال اللهم لك الحمد ، على زانية ، وعلى غني ، وعلى سارق ؟ فأتي فقيل له أما صدقتك ، فقد قبلت ، وأما الزانية ، فلعلها أن تستعف بها عن زناها ، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله ، ولعل السارق أن يستعف بها عن سرقته " . وقوله { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } يعني المهاجرين الذين انقطعوا إلى الله وإلى رسوله ، وسكنوا المدينة ، وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم و { لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى ٱلأَرْضِ } يعني سفراً للتسبب في طلب المعاش ، والضرب في الأرض هو السفر ، قال الله تعالى { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلوٰةِ } النساء 101 وقال تعالى { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } المزمل 20 الآية . وقوله { يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ } أي الجاهل بأمرهم وحالهم يحسبهم أغنياء من تعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم ، وفي هذا المعنى الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان ، واللقمة واللقمتان ، والأكلة والأكلتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه ، ولا يفطن له فيتصدق عليه ، ولا يسأل الناس شيئاً " رواه أحمد من حديث ابن مسعود أيضاً . وقوله { تَعْرِفُهُم بِسِيمَـٰهُمْ } أي بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم ، كما قال تعالى { سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِم } وقال { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } محمد 30 وفي الحديث الذي في السنن " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " ثم قرأ { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـٰتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } الحجر 75 . وقوله { لاَ يَسْـأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافًا } أي لا يلحون في المسألة ، ويكلفون الناس ما لا يحتاجون إليه ، فإن من سأل وله ما يغنيه عن المسألة ، فقد ألحف في المسألة ، قال البخاري حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شريك بن أبي نمر أن عطاء بن يسار وعبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري ، قالا سمعنا أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ، ولا اللقمة واللقمتان ، إنما المسكين الذي يتعفف ، اقرؤوا إن شئتم ، يعني قوله { لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافًا } " وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر المديني ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن عطاء بن يسار وحده ، عن أبي هريرة به ، وقال أبو عبد الرحمن النسائي أخبرنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل ، أخبرنا شريك ، وهو ابن أبي نمر ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة به ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ، واللقمة واللقمتان ، إنما المسكين المتعفف ، اقرؤوا إن شئتم { لاَ يَسْـأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافًا } " وروى البخاري من حديث شعبة ، عن محمد بن أبي زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي الله صلى الله عليه وسلم نحوه . وقال ابن أبي حاتم أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي ذئب ، عن أبي الوليد ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس المسكين بالطواف عليكم ، فتطعمونه لقمة لقمة ، إنما المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس إلحافاً " وقال ابن جرير حدثني معتمر عن الحسن بن مالك ، عن صالح بن سويد ، عن أبي هريرة ، قال ليس المسكين بالطواف الذي ترده الأكلة والأكلتان ، ولكن المسكين المتعفف في بيته لا يسأل الناس شيئاً تصيبه الحاجة ، اقرؤوا إن شئتم { لاَ يَسْـأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافًا } وقال الإمام أحمد أيضاً حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه ، عن رجل من مزينة أنه قالت له أمه ألا تنطلق فتسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يسأله الناس ؟ فانطلقت أسأله ، فوجدته قائماً يخطب ، وهو يقول " ومن استعف أعفه الله ، ومن استغنى أغناه الله ، ومن يسأل الناس وله عدل خمس أواق ، فقد سأل الناس إلحافاً " فقلت بيني وبين نفسي لناقة لي خير من خمس أواق ، ولغلامه ناقة أخرى فهي خير من خمس أواق ، فرجعت ولم أسأل ، وقال الإمام أحمد حدثنا قتيبة ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال عن عمارة بن عرفة ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد ، عن أبيه ، قال سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله ، فأتيته فقعدت ، قال فاستقبلني فقال " من استغنى أغناه الله ، ومن استعف أعفه الله ، ومن استكف كفاه الله ، ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف " قال فقلت ناقتي الياقوتة خير من أوقية ، فرجعت فلم أسأله ، وهكذا رواه أبو داود والنسائي عن قتيبة ، زاد أبو داود وهشام بن عمار كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي الرجال بإسناده نحوه . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا أبو الجماهر ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال ، عن عمارة بن غزية ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد ، قال قال أبو سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سأل وله قيمة أوقية فهو ملحف " والأوقية أربعون درهماً ، وقال أحمد حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن رجل من بني أسد ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سأل وله أوقية أو عدلها ، فقد سأل إلحافاً " وقال الإمام أحمد أيضاً حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان عن حكيم بن جبير ، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن مسعود ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سأل ، وله ما يغنيه ، جاءت مسألته يوم القيامة خدوشاً أو كدوحاً في وجهه " قالوا يا رسول الله وما غناه ؟ قال " خمسون درهماً ، أو حسابها من الذهب " وقد رواه أهل السنن الأربعة من حديث حكيم بن جبير الأسدي الكوفي ، وقد تركه شعبة بن الحجاج ، وضعفه غير واحد من الأئمة من جراء هذا الحديث ، وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس ، حدثني أبي ، حدثنا أبو بكر بن عياش عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، قال بلغ الحارث رجلاً كان بالشام من قريش أن أبا ذر كان به عوز ، فبعث إليه ثلاثمائة دينار ، فقال ما وجد عبد الله رجلاً أهون عليه مني ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من سأل وله أربعون فقد ألحف " ولآل أبي ذر أربعون درهماً ، وأربعون شاة ، وماهنان ، قال أبو بكر بن عياش يعني خادمين . وقال ابن مردويه حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، أخبرنا إبراهيم بن محمد ، أنبأنا عبد الجبار ، أخبرنا سفيان عن داود بن سابور ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من سأل وله أربعون درهماً ، فهو ملحف ، وهو مثل سف الملة " يعني الرمل . ورواه النسائي عن أحمد بن سليمان ، عن يحيى بن آدم ، عن سفيان ، وهو ابن عيينة ، بإسناده نحوه . قوله { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } أي لا يخفى عليه شيء منه ، وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمه يوم القيامة أحوج ما يكون إليه . وقوله { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُم عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } هذا مدح منه تعالى للمنفقين في سبيله وابتغاء مرضاته في جميع الأوقات من ليل ونهار ، والأحوال من سر وجهر ، حتى أن النفقة على الأهل تدخل في ذلك أيضاً ، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص حين عاده مريضاً عام الفتح ، وفي رواية عام حجة الوداع " وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة ، حتى ما تجعل في في امرأتك " وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر وبهز ، قال حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت ، قال سمعت عبد الله بن يزيد الأنصاري يحدث عن أبي مسعود رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة " ، أخرجاه من حديث شعبة به ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة ، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن ، حدثنا محمد بن شعيب ، قال سمعت سعيد بن يسار عن يزيد بن عبد الله بن عريب المليكي ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نزلت هذه الآية { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُم عِندَ رَبِّهِمْ } في أصحاب الخيل . وقال حنش الصنعاني عن ابن شهاب ، عن ابن عباس في هذه الآية ، قال هم الذين يعلفون الخيل في سبيل الله ، رواه ابن أبي حاتم ، ثم قال وكذا روي عن أبي أمامة وسعيد بن المسيب ومكحول ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج ، أخبرنا يحيى ابن يمان عن عبد الوهاب بن مجاهد ، عن ابن جبير ، عن أبيه ، قال كان لعلي أربعة دراهم ، فأنفق درهماً ليلاً ، ودرهماً نهاراً ، ودرهماً سراً ، ودرهماً علانية ، فنزلت { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً } ، وكذا رواه ابن جرير من طريق عبد الوهاب بن مجاهد ، وهو ضعيف ، ولكن رواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس ، أنها نزلت في علي بن أبي طالب . وقوله { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } أي يوم القيامة على ما فعلوا من الإنفاق في الطاعات { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } تقدم تفسيره .