Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 34-34)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لآدم امتن بها على ذريته ، حيث أخبر أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم ، وقد دل على ذلك أحاديث أيضاً كثيرة ، منها حديث الشفاعة المتقدم ، وحديث موسى عليه السلام « رب أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة ، فلما اجتمع به قال أنت آدم الذي خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته » وقال وذكر الحديث كما سيأتي إن شاء الله . وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن ، خلقوا من نار السموم من بين الملائكة ، وكان اسمه الحارث ، وكان خازناً من خزان الجنة ، قال وخلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي ، قال وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار ، وهو لسان النار الذي يكون فيه طرفها إذا ألهبت ، قال وخلق الإنسان من طين ، فأول من سكن الأرض الجن ، فأفسدوا فيها ، وسفكوا الدماء ، وقتل بعضهم بعضاً ، قال فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة ، وهم هذا الحي الذي يقال لهم الجن ، فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال ، فلما فعل إبليس ذلك ، اغتر في نفسه ، فقال قد صنعت شيئاً لم يصنعه أحد ، قال فاطلع الله على ذلك من قلبه ، ولم تطلع عليه الملائكة الذين كانوا معه ، فقال الله للملائكة الذين كانوا معه { إِنِّي جَاعِلٌ فِى ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } . فقالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ، كما أفسدت الجن وسفكت الدماء ، وإنما بعثتنا عليهم لذلك ؟ فقال الله تعالى . { إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } يقول إني اطلعت من قلب إبليس على ما لم تطلعوا عليه من كبره واغتراره ، قال ثم أمر بتربة آدم فرفعت ، فخلق الله آدم من طين لازب ، واللازب اللازج الصلب من حمأٍ مسنون منتن ، وإنما كان حمأ مسنوناً بعد التراب ، فخلق منه آدم بيده ، قال فمكث أربعين ليلة جسداً ملقى ، وكان إبليس يأتيه فيضربه برجله ، فيصلصل فيصوت ، فهو قول الله تعالى { مِن صَلْصَـٰلٍ كَٱلْفَخَّارِ } الرحمٰن 14 يقول كالشيء المنفرج الذي ليس بمصمت ، قال ثم يدخل في فيه ويخرج من دبره ، ويدخل من دبره ، ويخرج من فيه ، ثم يقول لست شيئاً للصلصلة ، ولشيء ما خلقت ، ولئن سلطت عليك لأهلكنك ، ولئن سلطت عليّ لأعصينك ، قال فلما نفخ الله فيه روحه ، أتت النفخة من قبل رأسه ، فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحماً ودماً ، فلما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده ، فأعجبه ما رأى من جسده ، فذهب لينهض فلم يقدر ، فهو قول الله تعالى { وَكَانَ ٱلإِنْسَـٰنُ عَجُولاً } الإسراء 11 قال ضجراً لا صبر له على سراء ولا ضراء . قال فلما تمت النفخة في جسده ، عطس ، فقال الحمد لله رب العالمين بإلهام الله ، فقال الله له « يرحمك الله يا آدم » قال ثم قال تعالى للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السموات اسجدوا لآدم ، فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس أبى واستكبر لما كان حدث نفسه من الكبر والاغترار ، فقال لا أسجد له وأنا خير منه وأكبر سناً وأقوى خلقاً ، خلقتني من نار ، وخلقته من طين ، يقول إن النار أقوى من الطين ، قال فلما أبى إبليس أن يسجد ، أبلسه الله ، أي آيسه من الخير كله ، وجعله شيطاناً رجيماً عقوبة لمعصيته ، ثم علم آدم الأسماء كلها ، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس إنسان ودابة وأرض وسهل وبحر وجبل وحمار ، وأشبه ذلك من الأمم وغيرها ، ثم عرض هذه الأسماء على أولئك الملائكة ، يعني الملائكة الذين كانوا مع إبليس ، الذين خلقوا من نار السموم ، وقال لهم { أَنبِئُونِى بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاَۤءِ } البقرة 31 أي يقول أخبروني بأسماء هؤلاء { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } البقرة 31 إن كنتم تعلمون ، لم أجعل في الأرض خليفة ، قال فلما علمت الملائكة موجدة الله عليهم فيما تكلموا به من علم الغيب الذي لا يعلمه غيره ، الذي ليس لهم به علم { قَالُواْ سُبْحَـٰنَكَ } تنزيهاً لله من أن يكون أحد يعلم الغيب غيره ، تبنا إليك { لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ } تبرياً منهم من علم الغيب إلا ما علمتنا كما علمت آدم فقال { يَـاءَادَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ } البقرة 33 يقول أخبرهم بأسمائهم { فَلَمَّآ أَنبَأَهُم بِأَسْمَآئِهِم قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ } البقرة 33 أيها الملائكة خاصة { إِنِّيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } البقرة 33 ولا يعلم غيري { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } البقرة 33 يقول ما تظهرون { وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } البقرة 33 يقول أعلم السر كما أعلم العلانية ، يعني ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار ، هذا سياق غريب ، وفيه أشياء فيها نظر يطول مناقشتها ، وهذا الإسناد إلى ابن عباس يروى به تفسير مشهور . وقال السدي في تفسيره عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ الله من خلق ما أحب ، استوى على العرش ، فجعل إبليس على ملك السماء الدنيا ، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن ، وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة ، وكان إبليس مع ملكه خازناً ، فوقع في صدره كِبْرٌ ، وقال ما أعطاني الله هذا إلا لمزيَّةٍ لي على الملائكة ، فلما وقع ذلك الكبر في نفسه ، اطلع الله على ذلك منه ، فقال الله للملائكة { إِنِّي جَاعِلٌ فِى ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } البقرة 30 فقالوا ربنا وما يكون ذلك الخليفة ؟ قال يكون له ذرية يفسدون في الأرض ، ويتحاسدون ، ويقتل بعضهم بعضاً ، قالوا ربنا { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } البقرة 30 يعني من شأن إبليس ، فبعث الله جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها ، فقالت الأرض إني أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني ، فرجع ولم يأخذ ، وقال يا رب إنها عاذت بك ، فأعذتها ، فبعث ميكائيل ، فعاذت منه ، فأعاذها ، فرجع فقال كما قال جبريل ، فبعث ملك الموت ، فعاذت منه ، فقال وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره ، فأخذ من وجه الأرض ، وخلط ، ولم يأخذ من مكان واحد ، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء فلذلك خرج بنو آدم مختلفين ، فصعد به ، فبلَّ التراب حتى عاد طيناً لازباً ، واللازب هو الذي يلتزق بعضه ببعض ، ثم قال للملائكة { إِنِّى خَـٰلِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } ص 71 - 72 فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه ليقول له تتكبر عما عملت بيدي ، ولم أتكبر أنا عنه بخلقه بشراً ؟ فكان جسداً من طين أربعين سنة ، من مقدار يوم الجمعة ، فمرت به الملائكة ، ففزعوا منه لما رأوه ، فكان أشدهم فزعاً منه إبليس ، فكان يمر به ، فيضربه ، فيصوت الجسد كما يصوت الفخار يكون له صلصلة ، فذلك حين يقول { مِن صَلْصَـٰلٍ كَٱلْفَخَّارِ } الرحمٰن 14 يقول لأمر ما خلقت ، ودخل من فيه وخرج من دبره ، وقال للملائكة لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد ، وهذا أجوف ، لئن سلطت عليه لأهلكنه ، فلما بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح ، قال للملائكة إذا نفخت فيه من روحي ، فاسجدوا له ، فلما نفخ فيه الروح ، فدخل الروح في رأسه ، عطس ، فقالت الملائكة قل الحمد لله ، فقال الحمد لله ، فقال له الله « يرحمك ربك » فلما دخلت الروح في عينيه ، نظر إلى ثمار الجنة ، فلما دخل الروح إلى جوفه ، اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة ، فذلك حين يقول الله تعالى { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } الأنبياء 37 فسجد الملائكة كلهم أجمعون ، إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين ، أبى واستكبر ، وكان من الكافرين ، قال الله له ما منعك أن تسجد إذ أمرتك لما خلقت بيدي ؟ قال أنا خير منه ، لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين ، قال الله له { فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ } الأعراف 13 يعني ما ينبغي لك { أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّـٰغِرِينَ } الأعراف 13 والصغار هو الذل ، قال { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } البقرة 31 ثم عرض الخلق على الملائكة ، فقال { أَنبِئُونِى بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاَۤءِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } البقرة 31 أن بني آدم يفسدون في الأرض ، ويسفكون الدماء ، فقالوا { سُبْحَـٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } البقرة 32 قال الله { يَـاءَادَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنبَأَهُم بِأَسْمَآئِهِم قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } البقرة 33 قال قولهم { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } البقرة 30 فهذا الذي أبدوا { وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } البقرة 33 يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر ، فهذا الإسناد إلى هؤلاء الصحابة مشهور في تفسير السدي ، ويقع فيه إسرائيليات كثيرة ، فلعل بعضها مدرج ليس من كلام الصحابة ، أو أنهم أخذوا من بعض الكتب المتقدمة ، والله أعلم . والحاكم يروي في مستدركه بهذا الإسناد بعينه ، أشياء ، ويقول على شرط البخاري . والغرض أن الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم ، دخل إبليس في خطابهم لأنه وإن لم يكن من عنصرهم إلا أنه كان قد تشبه بهم ، وتوسم بأفعالهم ، فلهذا دخل في الخطاب لهم ، وذم في مخالفة الأمر ، وسنبسط المسألة إن شاء الله تعالى عند قوله { إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } الكهف 50 ولهذا قال محمد بن إسحاق عن خلاد عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس ، قال كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة ، اسمه عزازيل ، وكان من سكان الأرض ، وكان من أشد الملائكة اجتهاداً ، وأكثرهم علماً ، فذلك دعاه إلى الكبر ، وكان من حي يسمونه جناً ، وفي رواية عن خلاد عن عطاء عن طاوس أو مجاهد عن ابن عباس أو غيره بنحوه . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد ، يعني ابن العوام ، عن سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس ، قال كان إبليس اسمه عزازيل ، وكان من أشرف الملائكة ، من ذوي الأجنحة الأربعة ، ثم أبلس بعد . وقال سنيد عن حجاج عن ابن جريج ، قال قال ابن عباس كان إبليس من أشراف الملائكة ، وأكرمهم قبيلة ، وكان خازناً على الجنان ، وكان له سلطان سماء الدنيا ، وكان له سلطان الأرض ، وهكذا روى الضحاك وغيره عن ابن عباس سواء . وقال صالح مولى التوأمة عن ابن عباس إن من الملائكة قبيلاً يقال لهم الجن وكان إبليس منهم ، وكان يسوس ما بين السماء والأرض ، فعصى ، فمسخه الله شيطاناً رجيماً ، رواه ابن جرير . وقال قتادة عن سعيد بن المسيب كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا . وقال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار حدثنا عدي ابن أبي عدي عن عوف عن الحسن ، قال ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط ، وإنه لأصل الجن كما أن آدم أصل الإنس ، وهذا الإسناد صحيح عن الحسن ، وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم سواء . وقال شهر بن حوشب كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة ، فأسره بعض الملائكة ، فذهب به إلى السماء ، رواه ابن جرير . وقال سنيد بن داود حدثنا هشيم أنبأنا عبد الرحمن بن يحيى عن موسى بن نمير وعثمان بن سعيد بن كامل عن سعد بن مسعود ، قال كانت الملائكة تقاتل الجن ، فسبي إبليس ، وكان صغيراً ، فكان مع الملائكة يتعبد معها ، فلما أمروا بالسجود لآدم سجدوا ، فأبى إبليس ، فلذلك قال تعالى { إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ } الكهف 50 وقال ابن جرير حدثنا محمد بن القزاز حدثنا أبو عاصم عن شريك عن رجل عن عكرمة عن ابن عباس قال إن الله خلق خلقاً ، فقال اسجدوا لآدم ، فقالوا لا نفعل ، فبعث الله عليهم ناراً فأحرقتهم ، ثم خلق خلقاً آخر فقال { إِنِّى خَـٰلِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ } ص 71 اسجدوا لآدم قال فأبوا ، فبعث الله عليهم ناراً فأحرقتهم ، ثم خلق هؤلاء ، فقال اسجدوا لآدم ، قالوا نعم ، وكان إبليس من أولئك الذين أبوا أن يسجدوا لآدم وهذا غريب ، ولا يكاد يصح إسناده فإن فيه رجلاً مبهماً ، ومثله لا يحتج به ، والله أعلم . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة حدثنا صالح بن حيان حدثنا عبد الله بن بريدة قوله تعالى { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } من الذين أبوا ، فأحرقتهم النار ، وقال أبو جعفر رضي الله عنه عن الربيع عن أبي العالية { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } يعني من العاصين . وقال السدي { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } الذين لم يخلقهم الله يومئذ ، يكونون بعد . وقال محمد بن كعب القرظي ابتدأ الله خلق إبليس على الكفر والضلالة ، وعمل بعمل الملائكة ، فصيره الله إلى ما أبدى عليه خلقه على الكفر ، قال الله تعالى { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } وقال قتادة في قوله تعالى { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآِدَمَ } فكانت الطاعة لله ، والسجدة لآدم ، أكرم الله آدم أن أسجد له ملائكته . وقال بعض الناس كان هذا سجود تحية وسلام وإكرام كما قال تعالى { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَـٰىۤ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّا } يوسف 100 وقد كان هذا مشروعاً في الأمم الماضية ، ولكنه نسخ في ملتنا ، قال معاذ قدمت الشام ، فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم وعلمائهم ، فأنت يا رسول الله أحق أن يسجد لك ، فقال " لا ، لو كنت آمراً بشراً أن يسجد لبشر ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها " ورجحه الرازي ، وقال بعضهم بل كانت السجدة لله ، وآدم قبلة فيها كما قال تعالى { أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } الإِسراء 78 وفي هذا التنظير نظر ، والأظهر أن القول الأول أولى ، والسجدة لآدم إكراماً وإعظاماً واحتراماً وسلاماً ، وهي طاعة لله عزّ وجلّ لأنها امتثال لأمره تعالى ، وقد قواه الرازي في تفسيره ، وضعف ما عداه من القولين الآخرين ، وهما كونه جعل قبلة إذ لا يظهر فيه شرف ، والآخر أن المراد بالسجود الخضوع لا الانحناء ووضع الجبهة على الأرض ، وهو ضعيف كما قال . وقال قتادة في قوله تعالى { فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } حسد عدو الله إبليس آدم عليه السلام ما أعطاه اللَّه من الكرامة ، وقال أنا ناري وهذا طيني ، وكان بدء الذنوب الكبر ، استكبر عدو الله أن يسجد لآدم عليه السلام ، قلت وقد ثبت في الصحيح " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر " وقد كان في إبليس من الكبر ، والكفر ، والعناد ، ما اقتضى طرده وإبعاده عن جناب الرحمة وحضرة القدس ، قال بعض المعربين وكان من الكافرين ، أي وصار من الكافرين بسبب امتناعه كما قال { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ } هود 43 وقال { مِنَ ٱلْظَّـٰلِمِينَ } البقرة 35 وقال الشاعر @ بِتَيْهاءَ قَفْرٍ والمَطِيُّ كَأَنَّها قَطا الحَزْنِ قَدْ كانَتْ فِراخاً بُيوضُها @@ أي قد صارت . وقال ابن فورك تقديره وقد كان في علم الله من الكافرين ، ورجحه القرطبي ، وذكر ههنا مسألة ، فقال قال علماؤنا من أظهر الله على يديه ممن ليس بنبي كرامات وخوارق للعادات ، فليس ذلك دالاً على ولايته خلافاً لبعض الصوفية والرافضة ، هذا لفظه ، ثم استدل على ما قال بأنا لا نقطع بهذا الذي جرى الخارق على يديه أن يوافي الله بالإيمان ، وهو لا يقطع لنفسه بذلك ، يعني والولي الذي يقطع له بذلك في نفس الأمر . قلت وقد استدل بعضهم على أن الخارق قد يكون على يدي غير الولي ، بل قد يكون على يد الفاجر والكافر أيضاً بما ثبت عن ابن صياد أنه قال هو الدخ حين خبأ له رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } الدخان 10 وبما كان يصدر عنه أنه كان يملأ الطريق إذا غضب ، حتى ضربه عبد الله بن عمر ، وبما ثبتت به الأحاديث عن الدجال بما يكون على يديه من الخوارق الكثيرة من أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر ، والأرض أن تنبت فتنبت ، وتتبعه كنوز الأرض مثل اليعاسيب ، وأنه يقتل ذلك الشاب ثم يحييه ، إلى غير ذلك من الأمور المهولة . وقد قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي قلت للشافعي كان الليث بن سعد يقول إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ، ويطير في الهواء ، فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة ، فقال الشافعي قصر الليث رحمه الله ، بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ، ويطير في الهواء ، فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة . وقد حكى الرازي وغيره قولين للعلماء هل المأمور بالسجود لآدم خاص بملائكة الأرض ، أو عام في ملائكة السموات والأرض ؟ وقد رجح كلاً من القولين طائفة ، وظاهر الآية الكريمة العموم { فَسَجَدَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ } ص 73 - 74 فهذه أربعة أوجه مقوية للعموم ، والله أعلم .